قيلة صارمة هي الذكريات المتناسلة، رهِق في نزع ما علِق بليله الطويل من أحداث بعيدة غافية خلف أبواب الزمن الفائت، ومهما أدار قلبه نحو الأيّام القادمة ضارباً الصفح عمّا مضى من ليال إلا أنّه وعادة يبوء بالخسران، ليل طويل وطقس بارد قارس وأمطار شتوية ووِحدة حادّة، تموج بين عينيه أشتات من أحداث ماضي يفاعته وشبابه، ندم مستبدّ يترصّد متعة نومه، يتسلّق ملامحه، يرهقه البحث عن أحداث وذكريات أخرى تجعل ندمه مستساغاً أو مُقنعاً، صلف الوحدة ولهيب الندم يقتاتان ما تبقى من ليله الطويل، يعمد إلى الملاءمة بين أحداث قديمة نهشته في أوائل أيّام شبابه وأخرى كان فيها فارساً طاغياً، وبعض نزوات أخرى عاش سني عمره يرتق آثارها كلما استوقدت نيرانها،أشعلت قلبه بحريق الندم الذي مخر أخاديد سودا في تجاويف نفسه، تتعاند الذكريات متجافية عن بعضها مهما حاول تذليل صهيلها وإطفاء أوار أحداثها وإنزالها من علو تهيّجها، كان يرتق بمهارة جروح ذاكرته القديمة مهما قاومت الاندمال، فيضفي عليها من وهج ذكرياته النقيّة ما يمكن أن يطفئ حريق الندم الذي أشعل ليله وأرهق نومه، كان مستغرقاً في رتق أيّامه الماضيات لم يلتفت إلى أن يوماً جديداً قد انبثق.
** **
- عبدالكريم بن محمد النملة