ما بين متفائل مفرط ومتشائم مبالغ حول موضوع القراءة، يحار بعضهم في مستوى التزام الناس بالقراءة؛ فبين من يرى أن أعداد القراء ثابتة ومستقرة بل وفي ازدياد، ومن يراها متدنية تدنيًا هائلًا ويدق أجراس الخطر، محذرًا من حالة أفول لها تنذر بتلاشيها. وأنى يكن الحال في مستوى القراءة فإن ما يقطع الجدال فيه هو الإحصاءات والدراسات العلمية الميدانية التي تحتاج إلى تكثيف وإلى زيادة رقعتها وتنوع الشرائح التي تشملها.
ومهما تكن مستويات أرقام القراءة هذه فإن المرجح أنها في انخفاض على مستوى العالم عامة حتى في الدول المتقدمة. ومعرفة المشكلة هي أولى خطوات علاجها، ولذلك فإننا بحاجة إلى خطوات وإجراءات على مختلف الصعد؛ الفردية والمجتمعية والحكومية، لإعادة الأمور إلى نصابها ومن أجل مزيد من الاهتمام بالكتاب الذي يعد أطول الأشياء بقاء على وجه الأرض.
فعلى الصعيد الفردي فإن آحاد الناس بحاجة إلى أن يعرفوا أن القراءة ليست ترفًا أو أمرًا زائدًا عن الحاجة يلجأ إليه من يريد التسلي والمتعة فحسب، رغم أنهما أمران يتحققان تلقائيًّا، بل بمنزلة الواجب الحياتي للخروج من حالة الجمود الفكري، كما أنه محرك أساس لمختلف صنوف الإبداع والجمال.
وللمؤسسات المجتمعية أدوار مهمة في الدفع نحو القراءة بمختلف السبل، عبر إمكاناتها المتنوعة، وعبر العمل الجمعي الذي يفترض أن تقوم به؛ من معارض كتاب أو حفلات توقيع كتب، أو حتى إقامة مناسبات لتبادلها.
وعلى الصعيد الرسمي نحتاج إلى تفعيل الأطر والمؤسسات الداعمة للقراءة، واستحداث ما يعزز من مكانة الكتاب والمكتبات بما يتناسب والتطور التقني الحاصل في مختلف المجالات.
وهنا يجب عدم الجمود على الأساليب القديمة وانتظار حضور الناس إلى المكتبات العامة، بل أن تذهب المكتبات إلى الناس في مدارسهم وجامعاتهم ومقار أعمالهم، وحتى في الحدائق العامة والمجمعات التجارية، وابتكار أساليب تشجع على اقتناء الكتاب وقراءته.
وختامًا يبقى الدور المحوري والدافع للقراءة في داخل كل أسرة، وتشجيع أرباب الأسر على تخصيص الأوقات للقراءة مهما زاحمتها الأجهزة الذكية والأدوات الحديثة المغرية؛ إضافة إلى دور المدرسة في تفعيل القراءة الحرة وتشجيعها بمختلف الطرق.
* الكتب قد تكون خطيرة، فيجب أن يكتب على أفضلها (هذا الكتاب قد يغير حياتك). هيلين اكسلي
** **
- يوسف أحمد الحسن