لطالما عاشت تلك الفتاة حياةً رمادية باهته خاليةً من الألوان..
تقضي نهارها في خدمة تلك العجوز، وفي تنظيف ذلك القصر الذي لا تكاد الإلمام بكافة أرجائه الا بعد أن يُغمرها التعب، ولاتصل لفراشها القديم إلا بعد استنفاذ دموعها ومحاولاتها اليومية في استجداء وقتٍ بسيط لراحتها...
وتستمر حياتها هكذا منذ أن بدأت تُدرك، وهي طفلة صغيره يتيمة الأبوين ألا مهرب، ولا ملجأ لها من هذا السجن الذي كانت تراه وتشعربه هكذا، سوئ البقاء، والطاعة لكل ماتُكلف به من أعمال!
تلك الطفلة الصغيرة كبرت، ولم تعش مثل غيرها حقها في البراءة،
وبعد أن أصبحت شابة أيضاً،
زادت قسوة العجوز عليها قولاً فعلاً، فلم تكن تسمع سوئ الأوامر،
ومع مرور السنوات كانت تحلم، وتتمنى ان تخرج فقط للنظر في الخارج، فلم تكن تعلم شيئاً عن ذلك العالم في الخارج..
تقضي المتبقي من ليلها باكيةً منهكة، وتقضي نهارها عاملةً خادمة دون ادنئ شفقة أو رحمة من تلك السيدة مالكة القصر والنفوذ..
ويشاء اللّه لها بسعادة لم تحلم بها، وفي يوم من الأيام إذ بتلك العجوز المقعدة تناديها! ويبدو أنني لم أخبركم عن اسمها الجميل!!
كانت تناديها كوثر...
فأجابتها، وهي خائفة كعادتها اليومية، طلبت منها الجلوس لأول مرة، وماكان منها إلا التردد!!
حتى استوعبت بأنها فعلا ترغب بذلك..
وهنا كانت المفاجئة!!
أخبرتها بأن أيامها علئ وشك النهاية، وأن الموت يقترب منها، فقد كانت تعاني من مرض خطير، وأنها كتبت كل ما تملك لتلك الفتاة لأنها لم يكن لها وريث! فقد كانت وحيدة بلا أبناء أو عائلة وكوثر فقط ماتبقئ لها..
ولم تسنوعب ذلك من هول الصدمة فاحتارت أتفرح أم تبكي!
أتحزن أم تضحك!
ولم تكن تعلم بأن خلف جدران ذلك القصر ستكون بداية حياة جميلة لها.. وبعد أيام تموت تلك العجوز وتتغير حياة كوثر وتصبح بعد أن كانت خادمة بسيدة فُتحت لها أبواب السعادة وابصرت الحياة من جديد..
** **
- زايدة الحقوي