كما كان للسلع والبضائع، وحتى الخدمات، دلَّالون، فقد كان للكتب لدى العرب والمسلمين الأوائل دلالون أيضًا (مسوّقون). وتتلخص أدوار الدلالين في عدة أمور، تشمل شراء وبيع الكتب، ونسخها واستنساخها، والبحث عنها، والترويج لها.
وقد أورد الدكتور ياسر رجب علي سليمان في كتابه (تاريخ الكتب في الحضارة العربية الإسلامية وعاء وفكرًا) تعريفًا لدلّال الكتب فقال: هو الشخص الذي يعمل كوسيط بين بائعي الكتب ومن يريد شراءها، سواء كان البائع تاجرًا للكتب أو شخصًا عاديًّا، والمشتري كذلك، وفي سبيل هذا يقوم بدور الإرشاد إلى الكتب المراد بيعها، وينادي عليها في الأسواق، أو في أي مكان آخر حتى يتم بيعها (ص172).
وكان أشهر دلال للكتب عرفته الحضارة العربية والإسلامية، كما ذكر الدكتور ياسر، هو الحظيري أبو المعالي سعد بن علي بن قاسم الأنصاري (ت 586هـ). والحظيري كان شاعرًا وأديبًا أيضًا، وله عدة كتب منها: لمح الملح، وزينة الدهر وعصرة أهل العصر، كما ذكر في سير أعلام النبلاء.
ويقوم الدلال بدور يشبه الدور الذي تقوم به أمازون حاليًّا في مجال الكتب، لكن بالأساليب القديمة، حيث كانوا يروجون للكتب من خلال المناداة عليها، ولذلك كان من تسمياتهم المنادي أو السمسار أو الكتبي أو الوراق.
وقد كان الأمر يستلزم من الدلال أن يشد الرحال من بلد لآخر، وأن يجالس العلماء ويعرف أخبارهم وما كتبوه، مع إلمام بأسعار الكتب، وقدرة على التمييز بين الغث منها والسمين حسب معايير عدة، منها: جودة الكتاب شكلًا وتجليدًا ومضمونًا وأهميةً، وكون النسخة أصلية أو منسوخة.
وبالطبع فقد كان هناك عدد من دلالي الكتب في مختلف الأزمان، مع تغير في أساليبهم ومستوياتهم الثقافية وأعداد الكتب التي كانوا يتداولونها. وكان من دلالي الكتب أبو الفتوح ناصر بن أبي الحسن بن علي بن خلف (607 هـ)، وكان يسمى سمسار الكتب، وجمال الدين أبو عبد الله (718 هـ)، المعروف بالوطواط الكتبي الوراق، وغيرهم في فترات زمنية أخرى.
** **
* الكتاب وعاءٌ مُلِئَ علماً، وظَرْفٌ حُشِيَ ظرفاً، وإناءٌ شحنَ مُزاحاً. الجاحظ
** **
- يوسف أحمد الحسن