أزعم أنه من أهم الآثار المترتبة على قرار مجلس شؤون الجامعات بتحويل أربعين كلية نظرية (ومنها اللغة العربية) إلى كليات تطبيقية (صحية، وهندسية، وتقنية...)؛ بطالة المتخصصين الأكفياء والمشهود لهم بالتفوق العلمي والمهني.
ولو لم يكن لتبعات هذا القرار سوى هذه النتيجة لكانت نتيجة كافية لأن يتراجع مجلس شؤون الجامعات عن قراره ويعيد النظر فيه بأناةٍ وروية، وليت أعضاء المجلس الموقر قبل تسرعهم بقرارهم استشاروا ذوي الخبرة من أهل التخصص؛ ولاسيما تخصص (عظيم) كتخصص اللغة العربية؛ بوصفه هوية الإنسان السعودي، الغيور على دينه ووطنه؛ فضلاً عن كونه أساس كلِّ دارس في وطننا في شتى العلوم والفنون، لاسيّما بعدما لاحت لنا بوادر تسهم في إعلاء شأن اللغة الإنجليزية، وتهميش اللغة العربية، ومن أهمها إعلانات الوظائف المتنوعة منذ سنوات؛ ففي شروطها البرهان القاطع على ذلك.
ولم أخصص مقالتي هذه للحديث عن مكانة اللغة العربية وأهميتها وغير ذلك مما يتصل بموضوعها؛ فقد استفاض الحديث في هذا الشأن كُتَّاب كُثر في مقالات عدة؛ بل وامتد نقاشهم في هذا الموضوع إلى مناقشة ما طُرح في مجلس الشورى قبل فترة قريبة؛ حيث طالب أحد أعضاء مجلس الشورى مجلس شؤون الجامعات بإعادة فتح فروع الجامعات في المحافظات! وهي مطالبة متوقعة؛ فالإغلاق الكلي للتخصصات الأدبية في الفروع ضرره أكثر من نفعه، هذا إن وُجد ثمة نفع من القرار.
مؤسفٌ أن ينال دارس الشهادات العليا، ويحصل على توصيات علمية وتزكيات وظيفية من قسمه العلمي؛ ثم يضيق ذرعًا بجامعات قد أدارت ظهرها له، كلما طرق أبواب جامعة ما؛ سمع الجواب المر: «لدينا اكتفاء في اللغة العربية وحاجة ملحة في التخصصات الصحية»!
لقد أسهم قرار المجلس في رفع فرص توظيف أصحاب التخصصات الصحية والهندسية وغير ذلك؛ لكنه ارتكب إثمًا عظيمًا في حق نخبة من الكفاءات في التخصصات الأدبية، فمنذ صدور قرار المجلس حتى اليوم لم أجد سوى إعلان (يتيم) عن فرصة وظيفية (وحيدة) في الأدب والنقد بإحدى الجامعات بأقصى الجنوب، تنافست عليها عشرات المتقدمات من مختلف الجامعات السعودية، وكانت المنافسة فيها من أشرس المنافسات الوظيفية على الإطلاق، خرجتُ منها ضاحكة، ولكنه ضحك كالبكاء!
ومؤسف أيضًا أن يؤول مستقبلي الوظيفي أنا وأمثالي -وأكاد أجزم أنهم ليسوا قلة- إلى هذا المصير، فقد حصدتُ المركز الأول على دفعتي في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، تخرجتُ وأنا أحمل انتماءً للغتي إلى الحد الذي لا يمكنني فيه استيعاب الواقع المرير، المُنبئ بأني سأقعد بلا وظيفة أفيد بها أبناء وطني، وأنتفع منها، وأعمل من خلالها بما تعلمت.
يا مجلس شؤون الجامعات، استغاثة عاجلة بلسان المتخصصين في لغة القرآن الكريم:
«دَعَوتُكَ وَالأَبوابُ ترتَجُ دونَنا
فَكُن خَيرَ مَدعُوٍّ وَأَكرَمَ مُنجِدِ».
** **
- مريم الرشيدي