للألوان دلالات تفوق أحيانا ما تعنيه الكلمات، واختيار الألوان والتنسيق بينها يحتاج ذوقا سليما وحسّا فنيا مرهفا، فاللون علامة بصرية مثقلة بالدلالات الرمزية، ولذلك يعبّر الرسامون من خلال الألوان عن معاني شتى ويخلقون بواسطتها عوالم متخيّلة، فتكون اللوحات بمثابة نصوص لا يفكّ شفرتها إلا من له علم ودراية برمزية الألوان، وبالأبعاد التي توحي بها في تداخلها وتناسقها واجتماعها.
وتعدّ المقاربة السيميائية من أهم المقاربات التي تمكننا من تأويل العلامات واستقصاء ما يكمن فيها من أبعاد ودلالات، سواء أكانت هذه العلامات كلمات أو رموزا أو أيقونات وصورا، فالسيميائية تختصّ بدراسة قدرة العلامات على التدلال أو ما يسمى بالسيميوز، وهو يعني السيرورة الدلالية التي يتمّ من خلالها تفاعل المتلقي مع العلامة.
وفي هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على سيميائية الألوان في هذا الشعار الذي اتخذ رمزا للهوية البصرية لمهرجان «أكوان» الذي ينتظم تحت إشراف الهيئة الملكية للجبيل وينبع بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية.
إذا أمعنا النظر في هذا الشعار لاحظنا أنّه تشكّل في صورة ألعاب نارية تشبه زهرة متعدّدة الألوان لها جذورها وهي كلمة أكوان باللغة الإنجليزية باللون البرتقالي aquan، ولها ساقها وأوراقها من خلال كلمة أكوان باللغة العربية المرسومة باللون الأبيض أكوان أما بتلات الزهرة فهي أربعة فروع لكل فرع منها لون مخصوص (الأحمر والأزرق والبرتقالي والأخضر) وقد توسّط الشعار مساحة ملونة بالأزرق الداكن.
ولقراءة التشكيل اللوني لشعار أكوان سنتبع مسلكين: مسلكا نحاول فيه الوقوف على الدلالات الرمزية للألوان المفردة، ومسلكا تأليفيا يرمي إلى استقراء أبعاد الصورة المركبة والمعاني الناتجة عن تداخل الألوان وتجاورها واجتماعها.
أما الألوان المفردة فعددها ستة هي الأزرق الداكن والبرتقالي والأبيض والأحمر والأخضر والأزرق. ولكل لون منها دلالاته. فالأزرق الداكن الذي غطى الخلفية يشير إلى الأرضية الصلبة التي تأسس عليها مشروع مهرجان أكوان، وهي جهود الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وهي تسعى إلى تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030م التي فتحت آفاقا واسعة نحو مستقبل مزدهر يعتمد على التنوع والاستدامة. ولعلّ في اتخاذ اللون الأزرق خلفية للشعار إشارة إلى تلك الآفاق الرحبة التي تلتقي في سموها ورفعتها بلون السماء الواسعة في امتدادها وصفائها ورحابتها.
ويشير اللون البرتقالي الذي رسمت به كلمة «أكوان» باللغة الإنجليزية إلى تجذّر هذا الشعار في أعماق المنطقة وارتباطه بها، فمهرجان «أكوان» جاء ليرسخ الهوية الثقافية لمدينة جازان بتقاليدها العريقة وثقافتها المحلية المميزة. واللون البرتقالي في الطبيعة هو لون الجذور التي تمتدّ في التربة وتتغذّى منها، وكلما كانت هذه الجذور حيّة وعميقة ارتفعت الشجرة وازدادت سموقا.
أما اللون الأبيض الناصع الذي توسّط بين الجذور ورأس الشعار فإنّه يوحي بوضوح الأهداف والغايات التي أحدث من أجلها مهرجان «أكوان»، فهذا المهرجان يسهم في تطوير المنطقة وفق برنامج الهيئة الملكية للجبيل وينبع الرامية إلى توفير بيئة استثمارية لتنمية المنطقة في جميع المجالات، بما يعزّز دورها في نموّ المملكة وازدهارها بفضل ما يتوافّر فيها من إمكانات وثروات طبيعية وبشرية وثقافية وبيئية.
ويدلّ اللون الأحمر على الصناعات الأساسية والتحويلية، وهي تعدّ فرعا من فروع فعاليات المهرجان، فالرسالة الأساسية التي نشأت لأجلها الهيئة الملكية للجبيل وينبع تخطيط وتشجيع الاستثمار وإدارة مدن البتروكيماويات والصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة.
ويرمز اللون الأزرق للبحر والشاطئ، فجزء كبير من فعاليات المهرجان يقام على شواطئ مدينة جازان مثل الألعاب الترفيهية والبحرية وفعاليات الأطفال والمدينة المائية والسينما على الشاطئ والجلسات على الإطلالات البحرية وعروض «الفلاي بورد». وكل هذه الفعاليات تمثّل عناصر جذب لتنشيط القطاع السياحي وجلب الزوار.
ويشير اللون الأخضر إلى البيئة والمناظر الطبيعية التي تزخر بها منطقة جازان، فهي تجمع بين الشواطئ الرملية الذهبية والمناظر الجبلية الخلابة والمسطحات الخضراء، ومن المعروف أن جازان التي تقع جنوب غربي المملكة تتميّز بمكان خاص وطبيعة ساحرة، ففيها جزر «فرسان» وجبال «فيفا» ووادي «لجب» حيث الشلالات الجميلة والصخور المنحوتة بالمياه، هذا إضافة إلى الغابات المميزة مثل غابة «القندل» الواقعة شمال جزيرة فرسان والتي تتميز بأشجار «المانجروف».
وبعد بيان دلالات ورموز الألوان المفردة يمكن أن نقرأ وفق المسلك الثاني الدلالات الكبرى التي تنشأ عن الألوان مجتمعة، ومن المهمّ في هذا السياق الإشارة إلى أن الألوان التي تداخلت في شعار أكوان مستلهمة من المناظر الطبيعية والعمرانية لمدينة جازان بنخيلها وأشجارها وبشواطئها وحقولها وبجزرها وعمرانها، فقد ألهمت مصمم شعار «أكوان» هذه الألوان المتنوعة والمتناسقة والتي تدلّ على ثراء المنطقة بمخزون بيئي وثقافي واقتصادي يمكن أن يحوّلها إلى وجهة سياحية متميّزة وبيئة استثمارية جذّابة، وهو ما يسهم في تحقّق رؤية المملكة القائمة على ركائز ثلاث: وطن طموح، واقتصاد مزدهر، وبيئة عامرة.
ولعلّ من أبرز مظاهر الثراء والتنوّع السياحي المتوافرة في جازان ومحافظاتها، والتي يعمل مهرجان «أكوان» على إبرازها والاستفادة منها: المنطقة الجبلية الخضراء حرجة عياش، وجزيرة المرجان، والشاطئ الجنوبي المعروف بشاطئ النخيل، وقرية جازان التراثية، وسد وادي جازان والبحيرة المرتبطة به، والميناء الواقع على سواحل البحر الأحمر، والعبارات الناقلة إلى جزيرة فرسان، ومدن الألعاب، والمسجد النجدي في فرسان ذي النقوش والزخارف الإسلامية، والمدينة التاريخية المعروفة باسم جازان العليا وتسمى كذلك بدرب النجا، والقلعة العثمانية الأثرية في فرسان، والقلعة الأثرية الدوسرية، وورشة صناعة القوارب في جازان، ومنتزهات جزيرة فرسان، وقمم جبل فيفاء، وجزيرة مركز الأعمال، والمركز الحضاري، والكورنيش والمرافق الترفيهية بحي الواجهة البحرية. هذا فضلا عن منطقة الصناعات التي تمسح ثلثي المدينة، ومركز الخدمات اللوجستية وهو مركز إقليمي مخصص للمنتجات الزراعية والسمكية والحيوانية، ومحطة الطاقة والتحلية والتبريد، والمدينة الصناعية بأبي عريش، والمؤسسة العامة للحبوب.
فمدينة جازان غنية كما يلاحظ بتراثها الحضاري وبمميزاتها الجغرافية والطبيعية وبمعالمها الأثرية، ومقدراتها الاقتصادية، ولعلّ هذا التنوّع هو ما توحي به الألوان المستخدمة في شعار الهوية البصرية لمهرجان «أكوان»، وهو ما تعبّر عنه كذلك تسمية أكوان الواردة في صيغة الجمع دلالة على أن التعدّد والتنوّع هما السمة الأساسية المميزة، وأيضا ما توحي به عبارة «أكوان... ما يشبهه شيء» المستخدمة شعارا لفظيا للمهرجان، فتفرّد «أكوان» وتميّزه يكمن في كونه متنوّع الموارد متعدد الأبعاد، يفتح أبوابا واسعة للاستثمار والاستمتاع والاستفادة، فهو بذلك مهرجان متكامل ومتعدّد الأغراض.
والحاصل من كلّ هذا أن الشعار الذي يمثّل الهوية البصرية لمهرجان شتاء مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية «أكوان» يحاول أن يجسّد الرسالة التي تريد الهيئة الملكية تبليغها، وهي تتلخّص في التأكيد على ما تتميز به منطقة جازان من ثراء وتنوّع، وما تتوافّر عليه من ثروات يمكن إذا أحسن استخدامها أن تحقق التطور والازدهار والتقدّم للمنطقة، لتصبح وجهة سياحية مميزّة وبيئة صالحة للاستثمار وبعث المشاريع، وهذه الرسالة تعمل بالتأكيد على تنفيذ مستهدفات رؤية 2030م، وتحويلها إلى منجزات فعلية تحقق للمملكة مستقبلا مزدهرا بقيادة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
** **
مزنة العتيبيّ - باحثة في الرواية والسينما