تناولَ كثيرٌ من المعاجم العربيةِ المرأةَ، كـ(مُعْجَم المرأة في القرآن الكريم) الّذي وردت فيه الألفاظ المتعلّقة بالمرأة في القرآن الكريم، وورد َشرحُ الآيات المتعلّقة بمكانتها ودورها، و(مُعْجَم أعلام النِّساء في الأدب العربي الحديث)، وهو متخصّص بالأديباتِ من روائيّات وشاعراتٍ، و(مُعجَم النّساء في التّراث العربي)، ويورد أسماء النّساء في مجالات العلوم والتّاريخ وغيرها، و(مُعجم النّساء العربيّات المُعاصرات) الّذي يركّز على النّساء المتخصّصاتِ في الأدب والفنّ والعلوم والسّياسة، و(مُعْجَم المرأة العربيّة) الّذي قدّم الكثير عن المرأة في التّاريخ العربي، وقدّم الألفاظ المتعلقة بدورها في المجتمع.
وإلى المرأة في المعاجم، ألّفَت النّساء العربيّات معاجمَ، مثل: (مُعجَم النّساء الشّاعرات في العصر العباسي) لأمل السّعيدي، و(قاموس المرأة العاملة)، لنائلة حسن أبو عودة، و(مُعجَم المصطلحات النّسوية) أعدَّته مجموعة باحثات.
أمّا اليوم، وفي لبنان، بعد مُعْجَمها الأول: (المُعْجَم في اللُّغَة والنّحو والصّرف والمصطلحات 1/ 6) الصَّادر عام 2010 م، عن (دار النّخبة للتأليف والترجمة والنَّشر- بيروت)، و(مُعْجَم أشعار العشق في كتب التّراث العربي)، و(مُعْجَم أعلام النّساء الفلسطينيّات)، و(معجم الإعلام المَرئي والمسموع والمكتوب)، و(معجم المترادفات، ومعجم الإعراب للطّلّاب)، و(معجم الحروف والظّروف)، و(معجم الأسماء والضّمائر)، و(معجم الأفعال وتصريف الأفعال)، و(معجم الجموع والمُثَنَّى)، تقدّم لنا المعجميّة والأكاديميّة (غريد الشّيخ محمّد) مُعْجَمها الجديد: (مُعْجَم المَرْأة)، (عدد الصّفحات: 235 صفحة، 2024 م، دار النّخبة، بيروت)؛ وهو مُعْجَم لُغويٌّ متخصّص في جمع الألفاظ المتعلّقة بالمرأة في اللُّغَة العربيّة وتوثيقِها:
«صفاتها الخَلْقِيَّة والخُلُقيّة، جوانب من حياتها المختلفة، الألفاظ المرتبطة بجمالها وزينتها، الصّفات المتعلّقة بمراحل حياتها المختلفة مثل: الزَّواج، الحَمْل، الأُمومة، والشَّيخوخة، والمعاني المتعلّقة بعاطفتها تجاه أبنائها وزوجها ومَن حَولَها، عُطُور المرأة ومكوّناتها، أسماء الحُليّ، مراكب النّساء، أسماء الملابس وتفاصيلها...» معتمِدَة التّرتيب الألفبائيّ للألفاظ، مع شرح المعاني المختلفة للكلمة حسب السِّياق.
وتقول (غريد الشّيخ محمّد) عن مُعْجَمها هذا: «من خلال اللُّغَة العربيّة الغَنيّة بالمعاني، يستطيعُ قارئُ هذا المُعْجَم أن يسبرَ أغوارَ المرأة ويتعرّفَ إلى صفاتها الخُلُقيّة والخَلْقيّة، ويدخل عالَمها السّحريّ الجَذَّاب فيقتفي أَثَرَها بِشَغف، فحيثُ تُوجَدُ المرأةُ تَخْلُقُ واحاتٍ غَنّاء وتنسج من حكايا الحياة عِبَرًا وصُوَرًا... ولن تستطيع أن تدخلَ عالمَها هذا إن لم تتزوَّدْ بِدليلٍ يُرشدُكَ إلى معاني الألفاظ الخاصّة بها».
أهميّة (مُعْجَم المَرْأة):
لأنَّ العربَ عُرِفوا بإصدار المعاجم التَّخصّصيّة، كان هذا المُعْجَم واحدًا منها، إذ اتّسمَ بـ:
(أوّلًا) التَّوثيق اللُّغَويّ الدّلاليّ: يُعتبرُ (مُعْجَم المَرْأة) مصدرًا غنيًّا بالألفاظ الّتي تخصّ المرأة في المُعْجَمات العربيّة وفي التّراث العربي الّذي يشكلّ العادات والتّقاليد والتّجارب والفنون والعلوم، ما يجعله مرجعًا ثريًّا للباحثين في اللُّغَة العربيّة وآدابها.
(ثانيًا) المحافظةُ على اللُّغَة: يُساهِم (مُعْجَم المَرْأة) في الحفاظ على اللُّغَة العربية، خصوصًا تلك الألفاظ النَّادرة، غير المُستخدَمة حاليًّا، ما يمنحها استمراريَّة في الثّقافة المعاصرة، ويجعل منه مرجعًا صالحًا لتحقيق الكتب القديمة على يد الباحثين وطلّاب العلم، وكذلك يكونُ مرجعًا للمتخصّصين بالأدب النِّسويّ.
(ثالثًا) الاعتماد على الشّواهد: القرآنيّة والأدبيّة والمجازات [المجازُ: هو اللّفظ المأخوذ عن معناه إلى معنًى آخرَ، وهو نقيضُ الحقيقةِ] لدعم المعاني، ما يجعله ذا قيمة أكاديميّة رفيعة.
(رابعًا) الدَّعم الثّقافي: يعزّز هذا المعجَمُ فَهْمَ دورِ المرأة في المجتمع العربي قديمًا وحديثًا من خلال انعكاسِ هذا الدّور على دقائقِ اللُّغة.
وقد لفتني ما جمعَتْه المعجميَّةُ في (مُعْجَم المَرْأة) من مجازات كان للعرب فيها شُهرة تفرَّقَتْ، فجُمِعَت في هذا المُعجمِ، ما يُعتبرُ إضافةً كبيرة وقيّمة ويعزّز فهم العلاقة التَّاريخيّة بين اللُّغَة والأدب، وذلك لعدّة أسباب؛ منها:
(أولًا) تكريس الفهم اللُّغَويّ-الثّقافيّ: إذ تُعَدُّ المجازات اللُّغويّة جزءًا مهمًّا من التّراث الأدبي العربيّ، فتعكس المفاهيم الثّقافية والتّصوّرات الّتي يساهمُ التَّخيُّل الذّهنيّ والفنّيُّ فيها برسم صورةٍ عن المرأةِ العربيّةِ في الأدب والشّعر عبر العصور، وتدعمها- فلسفيًّا- المعرفةُ المباشَرةُ اللُّغويّةُ الَّتي يدعمُها المنطق ُ، فتنسكبُ كلُّ هذه العوامل لتساهمَ في جَلاءِ تقريب الصّورةِ الواضحة الَّتي- لولا الدّراساتُ الجادّةُ- لظلَّتْ مُبْهَمَةً، غامضةً، خَفِيَّةً، لا يستيبنُ طريقُها.
(ثانيًا) إظهار جماليّات اللُّغَة العربيّة: إنَّ إدراج المجازات الشِّعريّة يزيد ثراءَ (مُعْجَم المَرْأة)، من خلال الانتقال مِن اللّفظ المباشَر نحو اللَّفظ الجماليّ، ما يعطي الباحث الجّادّ واللّغويّ المتمرّسَ والقارئ الشَّغوفَ فُرَصَ استكشاف جلالِ اللَّغة العربية في سياقها الأدبيّ، ارتفاعًا بالذَّوقِ في نواحيه النّفسيّة والفسيولوجيّة والاجتماعيّة والفلسفيّة أيضًا.
(ثالثًا) التَّأليفُ بين الأدبِ واللُّغَة: إنَّ وجود المجازات المستمدّة مِن الشّعر العربي يربط بين البحثين اللُّغويّ والأدبيّ، ما يساعدُ الباحثين على فهم كيفيّة استخدام هذه الألفاظ في السّياقات الأدبيّة المتنوّعة، فيقدّم صورة ظاهرةً، بَيِّنَةً، متميّزة عن الطّريقة الّتي أدركَ بها الشّعراءُ العربُ المرأة وأبدوا استعدادهم لاستنباطِ تفاصيلها، فأحسنوا تصوّرَها عِلمًا وقلبًا فصوَّروها أحسنَ تصويرٍ في قصائدِهم.
(رابعًا) دَعْمُ الأبحاث النَّقديّة والأدبيّة: يفتحُ إدراجُ المجازات الشّعريّة المجال أمام باحثي الأدب والنّقادِ لاكتشافِ تأثيرِ الشِّعر على ألفاظ وصف المرأةِ ما يُوَسِّعُ نطاقَ نقد الأدب النِّسْويّ من خلال تحليل النّصوص الأدبيّة إلى أجزائها المؤلَّفة منها اقترابًا من هذا الكائن الأثيريّ الجميل شكلًا ومضمونًا، كما يحفّز الباحثين على اكتشاف المزيد من المجازات وضمّها في كتب خاصّة مما يُغني المكتبة العربية.
(خامسًا) توثيق التُّراث الشّعريّ: إنَّ المجازاتِ الشّعريّة الأُنثويّة الّتي يحفل بها الشّعر العربي الّذي ما زال مرجعًا ثقافيًّا ومعرفيًّا مهمًّا تعكس تصوّرات الشّعراءِ الجماليّة واللّغوية في آنٍ، وإدراج هذه المجازات في (مُعْجَم المَرْأة) يساعد في الحفاظ على التّراث الشّعري ويساهم في نقله للأجيال الجديدة في سياق لغويّ وتحليليّ.
وهنا نذكر بعض المجازات الّتي أدرجتها الكاتبة في مُعْجَمها:
[بعيدة مَهوى القُرْط: طويلة العنق، امرأةٌ صَمُوتُ الخَلْخالَينِ: غَليظةُ السَّاقَيْنِ لا يُسْمَعُ لهما حِسٌّ، رَيَّا المُخَلْخَلِ: ممتلئةُ موضعِ الخَلْخالِ مِن السَّاق، امرأةٌ نُفُجُ الحَقيبةِ: ضَخمةُ الأَردافِ والمَآكِمِ، يقال: فُلانةُ عَفيفةُ الإزارِ: عَفيفة عمَّا يُحَرَّمُ عليها، امرأةٌ طاهرةُ الثَّوبِ: بَرِيئَةٌ مِنَ العَيْبِ.
ومِن الكِنايات أيضًا: فُلانَةُ قد جَمَعَتِ الثّيابَ؛ أي: كَبِرَتْ، لأنَّها تَلْبَسُ الدِّرعَ والخِمارَ والمِلْحَفَة، جائعةُ الوِشاحِ: ضامرةُ البَطنِ، فتاةٌ لَطِيفةُ الحَشَا: هَيفاءُ ضامرةُ الخَصْرِ، امرأةٌ خَفّاقةُ الحَشا: ضامرةُ البَطنِ خَمِيصَةٌ، رَبّاتُ الحِجالِ: النِّساء، امرأةٌ شَبْعى الذِّراعِ وشَبْعى الخَلْخالِ والسُّوارِ: ضَخْمَتُه، تَملؤُهما سِمَنًا، امرأةٌ صَمُوتُ الخَلْخَالِ: مُمْتَلِئَةُ السّاقِ لا يُسْمَعُ لِخَلْخَالِها صوتٌ، امرأةٌ غَرْثَى الوِشَاحِ وجائعةُ الوِشاحِ: خَمِيصَةُ البَطنِ، دَقيقةُ الخَصْرِ، هَيْفاءُ، امرأَةٌ هَيْفاءُ المُرَدَّى: أَي ضامِرَةُ مَوضعِ الوِشاحِ، وِشَاحٌ غَرْثَانُ: لا يَمْلَؤُه الخَصْرُ، فكأَنَّه غَرْثانُ، امرأةٌ جائلةُ الوِشاحَينِ: هيفاءُ، وقد جال وشاحاها].
نعم، إنّ إضافة المجازات المأخوذة من الشّعر العربيّ والتّراث الأدبيّ إلى (مُعْجَم المَرْأة) تعتبر إثراءً معرفيًّا وجماليًّا للمُعْجَم؛ فهي لا تعزّز البُعد الأدبي للمُعْجَم فحسب، بل تسلّطُ الضّوء أيضًا على تطوُّر الصُّورة اللُّغويّة والأدبيّة للمرأة في التّراث العربيّ، ما يعطي للمُعْجَم طابعًا شاملًا يجمع بين البحث اللُّغويّ والأدبيّ، فيزيد من قيمته الأكاديميّة والثّقافيّة.
وتقول المعجميّة (غريد الشّيخ محمّد) في مقدّمة مُعْجَمها «إنَّها من خلال عملها وقعت على كثير من الكلمات الّتي بطل استخدامها القديم وتحوّلت إلى مصطلحٍ يناقض المعنى الّذي ما زال المُعْجَميّون يستخدمونه، وقد صوّبت استخدام الكلمات ووضعتها في معناها المتعارف عليه اليوم لمنع اللّبس، كلفظ (الجارية)، الّذي يدلّ على الفَتِيَّة الشابّة، وعلى الأَمَة، وعلى غيرها من المعاني، وقد ثارت على استخدام هذا اللّفظ في الدّلالة على الفتاة الشّابّة لأنّه أصبح مصطلحًا يدلّ على السَّبيّة، ويأخذك مباشرة إلى عصر الجواري والانتهاكات التي كانت تحصل على المستوى الإنساني».
وأعلِّقُ على الموضوع: إنّ نقد الألفاظ الّتي بطل استخدامها في العصر الحديث يُعتبر خطوة مهمّة لفهم التّطوّر اللُّغويّ والثَّقافيّ للمجتمعات العربيّة، هذه الألفاظ كانت جزءًا من السِّياق الاجتماعي والثّقافي في فترات زمنيّة معيّنة، وقد تغيّرت معانيها أو أُلغيت مع تغيّر الأوضاع الاجتماعيّة والسّياسيّة.
أخيرًا، أقول: إنَّ (مُعْجَم المَرْأة) لـ (غريد الشّيخ محمّد)- كما كلُّ معاجمها ودراساتها اللُّغويّة- إضافة قَيِّمة إلى المكتبة العربيّة، ليس فقط في مجال اللُّغَة، ولكن أيضًا في مجال الدّراسات الثّقافيّة والاجتماعيّة، فهو يساهم في إعادة إحياء الألفاظ المتعلّقة بالمرأة ويعكس أهمية توثيق الثّقافة العربيّة التّقليديّة.
ولا بدّ من أن نذكر هنا أنّ الكاتبة اعتمدت الكثير من المصادر والمراجع القديمة والحديثة وكتب التّراث، والأمثال الشَّعبيّة، ما يجعل معجمَها هذا- وأعمالها كلّها- موسوعة ثقافيّة متكاملة، وقد ذكَرَتْها في آخر الكتاب.
كما قالت في مقدّمتها إنّها اعتمدت أوّلًا مُعْجَمها (المُعْجَم في اللُّغَة والنَّحو والصَّرف والمصطلحات) الّذي ذكرناه في بداية الكلام، ثم استكملت من المُعْجَمات الأُخرى والكتب القديمة، ومنها: أساس البلاغة، الزَّمَخشري، أسرار العربيّة، عبد الرّحمن بن محمد الأنباري، تاج العروس من جواهر القاموس، السّيّد مُرتضى الحُسيني الزَّبيديّ، جمهرة اللُّغَة، ابن دريد، الصِّحاح تاج اللُّغَة وصِحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، فقه اللُّغَة وسرّ العربيّة، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثَّعالبي، القاموس المحيط، الفَيروزآبادي، كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، لسان العرب، ابن منظور الأفريقي المصري، مُجمل اللُّغَة، ابن فارس، المحكم والمحيط الأعظم، مختار الصّحاح، الرّازي، المرجع في اللغة العربيّة، علي رضا، المِصباح المُنير في غريب الشّرح الكبير، للرافعي، المُعْجَم، موسوعة لغويّة علميّة فنيّة، عبد الله العلايلي، المُعْجَم الوسيط، مجمع اللُّغَة العربية بالقاهرة: (د. إبراهيم أنيس، د. عبد الحليم منتصر، عطيّة الصّوالحي، محمد خلف الله أحمد)، المَقاييس في اللُّغَة، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زَكريّا، نُجعة الرّائد وشرعة الوارد في المترادف والمُتوارد، تأليف: الشّيخ إبراهيم اليازجي.
وفي نهاية هذه الدراسة، يحق لنا أن نسأل ونطرح جوابَنا الخاصَّ الّذي لا يُلْزِمُ أحدًا بالموافقة عليه: ما أهمية (مُعْجَم المرأة) هذا القائم على التَّحليل المعجميّ اللُّغويّ في سَبر غَور المرأةِ قلبًا وقالبًا؟ لعلَّ الجواب يكون في أنّ كلَّ ما كُتِبَ عن المرأةِ من دراسات أو معاجم- ومنها معجمنا هذا- يمكن أن يساهمَ في تَتَبُّعِ الصُّورة التّقليديّة والتّاريخيّة والثّقافيّة عن المرأة من خلال تحليلِ الألفاظ والمصطلحات، ومحاولةِ إدراكِ الوصف الدّاخلي والخارجي، العقلي والنّفسي، وتطوّره- وأحيانًا مراوحته أو تأخّره- عبر الزّمن.
لا شكَّ أنَّنا بحاجة ماسّةٍ إلى مُتابعة تطوّر مسار المرأة حسب العصور، لفهمها فهمًا حقيقيًّا يشجّع الدّارسين على البحثِ الأكاديمي والأدبيّ والنَّقديّ والاجتماعيّ والعلميّ والفلسفيّ، وصولًا إلى منهج تكامليٍّ يلعب المنهجُ اللُّغويُّ والأدبيّ كلاهما فيه دورًا رئيسًا، استكشافيًّا، هادفًا لا يكفي وحده للوصول إلى النّتائجِ المرجوة المأمولةِ، بل لا بُدَّ مِن تَضافر الجهود العلميّة والأدبيّة للوصول إلى ما كان، وما يكون، وما يجب أن يكون عليه عالم المرأة، وتلك لَعَمْري سُنَّةُ التّطور
** **
د. إيمان بقاع