الحديث عن المجتمعات النخبوية من خارجها وعنها وما يكون بها، باختلاف هويتها يمكن أن يكون أكثر مصداقية تدل على حالة التعايش وأعرافها لأغلب المنتمين إلى هذا التمييز، الذي قال عنه باريتو في حديثه عن نظرية النخبة كونهم يمتلكون مواصفات ذاتية يتمتعون بها وتؤهلهم لاحتكار المناصب في المجالات النخبوية ليكونوا أقوى مجموعة من الناس في مجتمعهم قادرة على خلق عوامل التأثر والبناء في تلك المجتمعات.
وبعيدا عن هذا التنظير المرتبط في الأصل بتلك الحقبة التي جاءت بها هذه النظرية وفاعلية النخبوي آن ذاك مع المؤثرات التي كانت تشكل معالم العصر التي كان يتعايش معها -نجد اختلاف الواقع المعاصر في تعريفه للنخب الثقافية -وهي مجال حديثي- في مصداقية المؤهلات الشافعة للانتماء لمسمى النخبوي الثقافي وماهيته، وما يجب منه وعليه وفق أعراف وأطر مصطلح النخب الثقافية تأثرًا وتأثيرا مما يحملنا على القول بنسبة كبيرة من الجزم باختلاف الهوية النخبوية الثقافية المعاصرة على ما كانت عليه ماضيًا والناتج عن تبدل المعايير الحالية وبعدها عن المصداقية في جل الحدود الراسمة لعوالم النخب المنتمية لفعل المثاقفة المعاش لاعتمادها على الكثير من المغالطات والتضاد في تحديد أحقية من يستحق الدخول في دلالة النخبة الثقافية فالمشاهد في الكثير من تلك الممارسات يدرك جم المغالطات الكبرى والمتضادة والتي تقحم من لا علاقة له بدلالة النخبة داخلها وتمنحه صفة المثقف النخبوي على ما فيه من هشاشة معرفية، وضعف علمي تم غض الطرف عن طواعيةٍ للوصول به الى ما هو عليه من وهمٍ نخبوي سرعان ما تكشف الأيام ممارسةً ونتاجًا على هذا الهوان المحسوب على الثقافة ورسالتها وصولًا الى التعالي غير المبرر من غالبية الممتلكين أحقية الاتصاف بالمثقف النخبوي وتعاطيه مع نرجسيته بشكل مبالغ فيه يرى من خلاله عدم قناعته بما يُمارسه، وينتجه المثقف الأخر من معارف شتى قد تكون في محتواها أجود مما قدمه، ويُقدمه هذا المتعالي النخبوي، وهي حال لا تُنكَر مطلقا للرأي البصير بهذه العوالم وما فيها من سحن وطحن أسهم في مرات عديدة وبشكل كبير في إقصاء مثقفين حقيقيين وأجهض - تعمدًا وبدونه - مشروعات ثقافية تنويرية اعتمادا على أحادية الرأي، والظل الذي توجده الأنا وتضخمها يصاحبها، ناهيك عن الحرب الضروس بين الساكنين بهذا العالم علانية وسرًا..
إن رفض الأشخاص من الخارج والتقوقع في النوبات التي تسببها الأنانية والاندفاعية هي في الغالب من السمات التي تتصف بها النخب الثقافية المعاصرة وجدير بنا - وإن قدم العهد - التصدي لمثل هذه الممارسات ووضع الممارس لها أمام حقيقة نفسه بأي شكل كان أملًا في يلج الباب النخبوي من هو أهل له.
** **
- عبدالرحمن سابي