الشعراء هُم بلا شكّ أشدّ قلقًا من النّاس العاديين، وأعصابهم أكثر هشاشة من بقيّة الخلق، قد يعيشون بهجة التسامي على المبتذل، ولكنّ أحزانهم أيضًا لا تعرف حدًّا، وهو ما يدعو إلى أن يُفكر المرء جيّدًا إذا ما أراد أن يكون شاعرًا» كيف للمرء أن يفكر جيدا قبل أن يكون شاعرًا، إن ولد شاعر وكان على هيئة قصيدة كما هو الأمير (بدر بن عبدالمحسن) الإنسان الذي يخفي دمعته ويرتدي البسمة لأنه أمير يربط على جرحه النازف، ويظهر للملأ بملامح لا توحي بالألم الشاعر الذي كتب لنا مشاعرنا ووصف إحساسنا وكان همزة الوصل بين المحبين كلماته عزفت على أوتار قلوبنا العاشقة وقصائده كتواريخ ميلادنا رافقتنا منذ الورقة الأولى، عاصرت أعمارنا بمراحله المختلفة. فكيف ننسى العمر والعمر بدر كيف للوفاء أن يكون وفاء إن لم يهزنا موته ويفجعنا سبته. لم أبكِه إعجابا، ولا شاعرا فقط بكيته حبا وعمرًا وجمالا ونبضا وقصيدا ونغما وأغنية وتواضعا وإنسانا جمع في صدره المعالي والمعاني، بكيته لأني أبكي الحب والشوق والعتب والهجران والصور والأغاني والكتب والبدر والشمس والذكريات والرسائل والليل والسهر والشعر والكلمة والمعنى والفكرة والإلهام، بكيته لأن القدر جمعني به في مطار الملك خالد في يوم من الأيام كأمنية نائمة في صدري، فزارها الحلم على هيئة يقظة كان كالأحلام حين اقبل الفارس بهيبة متواضعة، أتعلمون كيف تتواضع الهيبة حين تلتفت الأعناق نحوه وهو يمطر النظرات بابتسامة دافئة هو البدر، البدر حين تعثر قلبي في الخطى واهتزت جنحان الفرح من الخجل مدري من حلو الصدف هو الإنسان الذي اجتمع على حبه الجميع لأنه الرجل المسالم في الحياة، والشعور المتناقض في القصيدة حين يقترب كعاشق وحين يرحل ويترك العتب بين السطور. وحين يجعل من الصور البليغة مشاهد لا تنسى، وصورا تتحرك أمامنا كمن يشاهد فيلما مدهشا. نحن نعزي أنفسنا بفقده العظيم، قلبي حزين، حزين جدا وموتك خفيف وقاسٍ، مهدت لنا ولم نعِ، ربما كنت تودعنا بطريقتك الخاصة، وكنا نراك بعين الحب التي لا تتخيل الفقد، لكن الفقد حاضر ومؤلم وذائقته بالبدر أوجعتنا وكسرت ظهر الروعة والجمال. مات البدر، فمن سيرث الشعور حين يكتب مات البدر والذاكرة زاخمة به مات البدر دون ضجيج، كهيئته الهادئة كالرضا المرسوم في ملامحه الدافئة حين قال: ما نشدت الشمس عن حزن الغياب علَمتنا الشمس نرضى بالرحيل رضينا يا الله، رضينا، رحل حبيب الشعبمنا إليك يا الله، رحل وهو الآن بين يديك وأنت الرحمن الرحيم، ارحمه يا الله واغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأجب دعوته حين قال: يا الله يا المطلوب يا عالم الغيب تقبل صلاتي لك وتقبل طوافي وتصون عرضي يا ملاذي عن العيب وتجعل بقايا العمر ستر وعوافي.
** **
- نسيم منور