الثقافية - علي القحطاني:
الرحالة إبراهيم سرحان غني عن التعريف شدّ رحاله في أصقاع الدنيا وطاف بالأرض شرقا وغربا ،مغرمٌ بالتنوع الثقافي والإنساني، وتقصى أطراف العالم يقف على ما تبقّى من ثقافات صادقة وأصيلة، فواصل الرحلات، إلى هضبة التبت، وغابات الأمازون، وسهول آسيا الوسطى، ومرتفعات أمريكا اللاتينية، ومجاهل إفريقية الخضراء، ومفازات الصحراء الكبرى، وإلى الأقطار القطبية الشمالية، والغابات الاستوائية الدافئة المطيرة وساعده هذا الاطلاع على الوعي بأهمية الثقافات المحلية، وعلى ضرورة الاحتفاء بها والمساهمة في التوعية بشأنها، من أجل ذلك جاء كتابه المصوّر «شداد «كتاب «شداد» وهو وثيقة بصرية فنية سلطت الضوء على العلاقة الفريدة بين أهالي بادية تبوك وبين الهجن، وعلى الاحتفالات الشعبية، وعلى ثقافة الحياة اليومية بوجهٍ عام كما تحدث الرحالة إبراهيم سرحان عن التحديات والصعوبات التي يجدها في رحلاته لا سيما في مجال اللغة والاتصال والتعامل مع الثقافات والعادات المتنوعة، وعن كتب السياحية والأدلة التي كان يستعين بها في سفرياته لزيارة المتاحف والمعالم الثقافية وتدوينه لمشاهداته السياحية من خلال الكتابة والتصوير والتدوين المرئي ومدى إعجابه بشخصية الرحالة الشيخ محمد بن ناصر العبودي الذي يجد فيها أنموذجاً إسلامياً وإنسانياً وسعودياً رائعاً في البحث عن المعرفة، وفي التسامح وفي التعاطي مع تنوع الثقافات والاختلافات.
كتاب «شداد»
* جاء كتابك «شداد» بالتزامن مع عام الإبل، وما توليه المملكة العربية السعودية من اهتمام بموروث الإبل، الذي يعد رمزًا من رموز الثقافة والأصالة للوطن وللمواطن وما تضمنته تلك الصور الكثير عن جمال الطبيعة في منطقة تبوك بالمملكة وما تضمنه من تراث ثقافي أصيل فيها وجمال طبيعي لتضاريسها وتنوع تكويناتها.. هذه الرحلة البصرية التي استغرقت منك ثلاث سنوات حدثنا عن هذه التجربة؟
- كتاب «شداد» هو وثيقة بصرية فنية سلطت الضوء على العلاقة الفريدة بين أهالي بادية تبوك وبين الهجن، وعلى الاحتفالات الشعبية، وعلى ثقافة الحياة اليومية بوجهٍ عام.
وما وجدته في بادية تبوك كان بالنسبة إلي مثل الكنز المخبوء، ما زلت منبهراً به رغم تكرار النظر إليه. قد يبدو الأمر معتاداً عند النظر إلى أول وهلة لمحتوى يتحدث عن ثقافة المجتمع المحلي في السعودية وعن الإبل، فليس هناك جديد في ذلك، لكن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، فهناك روح أصيلة وسياق تاريخي عميق وممارسات لا تحصل في أي مكان آخر خارج بادية تبوك. ويتطلب الأمر كثيراً من التمعّن.
وفي الكتاب مشاهد وأحداث تظهر للنور أول مرة، ضمن عمل استمر لثلاث سنوات في توثيق بادية منطقة تبوك، وسباقات الهجن التقليدية النادرة التي تُقام في الأودية والصحاري، التُقطت خلاله عشرات الآلاف من الصور، واُنتخب منها صفوتها وأحسنها تعبيراً عن موضوع الكتاب. كما تضمن مباحث وتعليقات على الممارسات المحلية والعادات والتقاليد، وبحث في أصولها التاريخية، وتوثيق للروايات المحلية.
وهو وإن كان كتاباً مصوراً، إلا أنه لا يُسعدني الحديث كثيراً عن جمال الصور، في حين كان الهاجس هو اختيار الصور التي تبني القصة، التي ستزيد قيمتها الثقافية والاجتماعية والتاريخية مع مرور الوقت. وأحمد الله، وأشكره، وفي كل مرة أجد نفسياً مديناً إلى رؤية المملكة 2030 التي قدّرت الثقافة المحلية بشكل غير مسبوق، وإلى وزارة الثقافة وهيئة الأدب والنشر والترجمة على دعمهم وتمكينهم لهذا العمل.
الأعمال المصوّرة
* تسعى من خلال أعمالك المصورة إلى نقل صورة حيّة وساحرة للتراث السعودي والوجهات السياحية التاريخية في المملكة، مسلطًا الضوء على العادات والتقاليد البارزة التي تمتع بها أبناء الوطن عبر التاريخ، كما يلاحظ في ذلك من خلال ما ترصده عدسات كاميراتك. كيف بدأ هذا الشغف؟
- يُقال أن الأمور تتضح بالمقارنة، ولقد طوّفت الأرض مغرماً بالتنوع الثقافي والإنساني، وتقصيت أطرافها أقفُ على ما تبقّى من ثقافات صادقة وأصيلة، فواصلت الرحلات بالرحلات، إلى هضبة التبت، وغابات الأمازون، وسهول آسيا الوسطى، ومرتفعات أمريكا اللاتينية، ومجاهل إفريقية الخضراء، ومفازات الصحراء الكبرى، وإلى الأقطار القطبية الشمالية، والغابات الاستوائية الدافئة المطيرة. وساعدني هذا الاطلاع على الوعي بأهمية الثقافات المحلية، وعلى ضرورة الاحتفاء بها والمساهمة في التوعية بشأنها، وذلك ما جعلني أنظر بعين إجلال وتقدير لموروثنا وثقافتنا ومعالمنا التاريخية والطبيعية، وعدت أبحث عن غير المألوف في وسط ما يبدو لأول وهلة مألوفاً، فتقصّدتُ القرى والبوادي، وراء تخوم الصحراء وفوق ظهور الجبال وفي بطون الأودية، أتتبع بشغف شديد المظاهر الأصيلة التي ترتبط بأواصر عميقة مع الماضي، وأحاول تفسير ما يختبئ خلفها، ثم أتلمّس الخيوط الشفافة الدقيقة الممتدة عبر الزمن، لأمسك بطرف منها يدلّ على الطرف الآخر. فوجدت ما لم يكن بالحسبان، وما لم يخطر لي على البال، ووقفت منعقد اللسان، حائراً كُلَّ الحيرة، أمام لوحة عظيمة الاتساع، كثيرة الألوان، متعددة المعاني والأوصاف، فائقة الحسن والجمال، من التنوع الثقافي والطبيعي في المملكة العربية السعودية، مما يعجز أي إنسان عن الإحاطة بتفاصيله، ولو مُدَّ في عمره أعماراً.
وأحسست على نحو عميق أن كل عادة أو مظهر من مظاهر الثقافة المحلية في المملكة يمثلني بشكل ما، من حيث إنَّي مغرم بحقيقة التنوع الثقافي الإنساني، وأن كل مظهر جغرافي من رمال وصخور أنتمي إليه بشكل ما، لأني مواطن سعودي يشعر بالانتماء إلى كل قطعة من أرض وطنه، وإلى كل لون من ألوان تربته.
التحديات والصعوبات
* كيف تتعامل مع التحديات والصعوبات في رحلاتك لا سيما في مجال اللغة والاتصال والتعامل مع الثقافات والعادات المتنوعة، وكيف كنت تتكيف معها وتواجهها؟
لا أنكر أن وجود لغة مشتركة (إنجليزية على الأقل) يساعد كثيراً في تحسين التجربة واستيعاب المكنونات الثقافية لأي بلد، ولكن في كثير من الأحيان لا يكون هناك لغة مشتركة، ولا سيما في المناطق النائية التي تسكنها الشعوب الأصلية، وهنا يأتي دور المشترك الإنساني من الإيماءات وتعابير الوجه وغير ذلك من طرق التواصل، كما أسهمت التقنية الحديثة وتطبيقات الترجمة في تسهيل عملية التواصل في كثير من الأحيان، ولكن تبقى هناك أماكن لا يعمل فيها سوى المشترك الإنساني كما أسلفت.
أدلة سياحية
* السفر بالفعل من الاحتياجات الإنسانية الأساسية. وتحفل بالتجارب المثيرة والمفيدة، وهل هناك أدلة وكتب سياحية كنت تستعين بها في سفرياتك لزيارة المتاحف والمعالم الثقافية ...؟
- في الحقيقة أحاول أستفيد من كل ما أجده، لكنني لا أعتمد عليه، ولدي تصور أن المحتوى والمعرفة الحقيقية هي من المشي في الأرض والتجوال والاستكشاف، كما أن عدداً من الأماكن التي زرتها والتجارب التي عشتها والمعلومات التي استفدت منها لم أجد لها أي أثر حين عدت لأبحث عنها في شبكة الإنترنت.
تدوين الرحلات
* كيف كانت تجربة تدوين مشاهداتك السياحية من خلال الكتابة والتصوير والتدوين المرئي ولا سيما أنك تتجنب المألوف السياحي المعتاد، وتبحث عن النوادر والغرائب في رحلاتك؟
- بالمقام الأول أنظر إلى التدوين بكافة أنواعه على أنه أداة لتعميق الفهم أولاً وتعزيز التواصل والحضور مع التجربة، وإذا كانت كثير من الأمور تعبر أمام عينيك دون تساؤل، فإن الرغبة في تدوينها ستجعلك تتساءل عنها، وتبحث عن ماهيتها وتاريخها، وأيضاً لما أجده من متعة مضاعفة حين مشاركة ما أراه، وأقف عليه مع المهتمين والأصدقاء في الشبكات الاجتماعية، مما أرجو أن يكون مساهمة يسيرة في إثراء التواصل الثقافي والتعارف بين الشعوب.
رحلات الكتّاب والمبدعين
* هناك شريحة كبيرة من الأدباء والكتّاب والصحفيين دوّنوا رحلاتهم للشرق والمغرب وكان للأدباء والكتّاب السعوديين نصيب من تلك الكتابات.. وبلا شك كان لك اهتمام بكتابات الرحالة الشيخ محمد بن ناصر العبودي.. كيف صلتك بتلك الكتب والشخصيات؟
- يثير الشجن الحديث عن معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي رحمه الله، فهو فعلاً شخصية فريدة وموسوعية ونادرة لا يمكن أن تصفه أو تحصره في مجال معيّن، حتى وإن كانت الرحلات هي السمة الأظهر التي رأينا الشيخ رحمه الله من خلالها، إلا أنني في الحقيقة في كل مرة كنت ألتقي الشيخ رحمه الله أو أتابع لقاءاته أو أقرأ كتبه أحاول أن استشفّ عن هذه الروح العظيمة، لم يكن الشيخ يقدم المعلومات فقط في كتاباته، بل كان يبثّ معها أنموذجاً إسلامياً وإنسانياً وسعودياً رائعاً في البحث عن المعرفة، وفي التسامح وفي التعاطي مع تنوع الثقافات والاختلافات. كما احتضن الشيخ بين عباءته روح فنان فتيٍ أصيل محبٍ للجمال، وأديب بارع تنساب منه العبارات السهلة الممتنعة. وهو علم من أعلام الوطن، وكرمته وزارة الثقافة بلقب شخصية العام الثقافية في مبادرة الجوائز الوطنية الثقافية، وإنه ليحز في نفسي كثيراً أن أرى مهتماً بالثقافات والشعوب والرحلات وهو لا يعرف الشيخ العبودي.
** **
@ali_s_alq