كثيرًا ما تكون البدايات هي أصعب المراحل؛ إذ تحتاج إلى جهد مضاعف للانتقال من حال الجمود إلى حال الحركة؛ فالسيارة مثلًا تحرق وقودًا أكثر في لحظات انطلاقها الأولى، لكنها تحتاج إلى وقود أقل حالما تتحرك، تمامًا كالطائرة؛ التي يقال إنها تحتاج إلى آلاف اللترات من الوقود في الدقائق الأولى لإقلاعها.
والأمر مع القراءة شبيه بذلك (كما أكثر الأشياء)؛ حيث إن العازف عن القراءة بحاجة إلى جهود مضاعفة للبدء بها، لكن الأمر يصبح أكثر سهولة بعد مدة من بدء القراءة، تطول أو تقصر، اعتمادًا على عدة أمور، منها مدة العزوف عنها، ومقدار لياقته القرائية قبل عزوفه عنها.
وهنا يُنصَح العازف عن القراءة بأن تكون بداية عودته للقراءة ناعمة؛ بحيث يختار كتابًا خفيفًا أو مقالات خفيفة تكون تمهيدًا له للعودة إلى القراءة أو حتى البدء بها. أما عن ماهية هذا الكتاب فالقارئ نفسه هو من يحدده؛ فيختار المجال الذي يستهويه، ثم يختار من هذا المجال الكتاب الخفيف، كما يقال: «اقرأ ما تحب حتى تُحب القراءة».
والأهم هنا هو أن يحدد لنفسه وقتًا شبه ثابت في اليوم والليلة لقراءة صفحة أو صفحات من هذا الكتاب، حتى يصل إلى المرحلة التي يستطيع فيها أن يزيد شيئًا فشيئًا من الوقت المخصص للقراءة. كما أن عليه أن يختار الوقت المناسب لها بحيث يكون في حالة مزاجية جيدة حتى يتمكن من مواصلتها.
وعند إعادة الانطلاق في عالم القراءة تحدَّثْ عن ذلك واقعيًّا وافتراضيًّا، كما يفعل بعض التافهين حينما يتحدثون عن سفاسف الأمور معتبرين إياها أعظم فتح في التاريخ الحديث. ولا بأس من تصوير نفسك ممسكًا بكتاب جديد، أو اختيار اقتباس جميل منه، ونشر ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي؛ مساهمة منك في مقاومة القبح المنتشر في العالم ومن أجل اجتياز مرحلة البدايات الصعبة في مشوار القراءة، وربما حتى لا تكون كما قال مارك توين: من لا يريد القراءة ليس بأفضل ممن لا يستطيع القراءة.
* أطالع ما استطعت وجوه كتُب - فراراً من مطالعة الوجوه. أحمد الصافي النجفي
** **
- يوسف أحمد الحسن