لعل أفضل خدمة تقدم لأي لغة من اللغات، إنما تتمثل في نشر تلك اللغة. فخدمة اللغة العربية لا تنحصر في الحفاظ عليها بحفظ رصيدها المعجمي والنحوي والأدبي وما إلى ذلك بتسجيله ورقمنته، بل إننا نرى أن أفضل ما نخدمها به هو السعي إلى نشرها في البلدان الناطقة بغيرها فيتعلمها أهلها فيصيروا سفراء للثقافة العربية بتاريخها وهويتها وبتراثها العريق الذي ساهمت به في الثقافة الإنسانية، ومن أفضل ما نخدمها به، أيضاً، توسيع دائرة استعمالها في البلدان الناطقة بها، وذاك ما يعيد إليها حيويتها، وينشط طاقتها الإبداعية في جميع المجالات، بما في ذلك المجالات العلمية والتكنولوجية.
ومن خلال اطلاعنا على أنشطة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ومواكبتنا لها منذ تشريفنا بالحصول على جائزة المجمع في دورتها الأولى سنة 2022، في فئة «دراسات اللغة العربية وأبحاثها العلمية»، لمسنا أن هذه الخدمة بوجهيها السالفين، هي واحدة من باقة متنوعة من الخدمات النبيلة التي يقدمها هذا المجمع الفتي، بل هي من صميم مهامه المتعددة التي أنشئ لتحقيقها، فهو مؤسسة مجمعية من حيث التسمية، ولكنه خلافاً للمجامع المعروفة، تتجاوز مهامه الأعمال المجمعية المعهودة بكثير.
ولعل ميزته، فيما نرى، تكمن في العناية باللغة العربية في مختلف الأقطار الناطقة بغيرها، وفي مختلف المؤسسات الدولية أو الإقليمية التي تُعتمَد فيها العربية واحدة من كثير. فالناظر في أنشطة هذا المجمع الفتي يلاحظ بيسر مدى اتساع الرقعة الجغرافية التي شملتها أنشطته من حيث تسطير برامج التدريس وتكوين المدرسين بتنظيم الملتقيات وورشات التدريب. وهي لعمري مهمة ذات شأن محتاجة إلى طول مراسٍ وصبرٍ كبيرين، وإلى إمكانات مادية وبشرية ذات بال.
ونشر العربية لا يقتصر فقط على تعليمها لغير الناطقين بها، بل يشمل تشجيع الأفراد من الباحثين من الجنسيات كافة، وحث الأفراد والمؤسسات أيضاً، على العناية باللغة العربية موضوعاً للدرس والبحث والتعليم والمعالجة الحوسبية. وذلك برصد جوائز مهمة لكل من تميزت أعماله في مجالات البحوث اللسانية وغيرها من الفئات المتعددة.
ويمكن التفكير في سبل نشر العربية الفصيحة في أجهزة الإعلام والحث على استعمالها في البرامج الإذاعية والتلفزيونية اليومية التي تميل إلى استعمال اللهجات المحلية، ونحن نعيش واقعاً لا تنفك العاميات تنتشر خلاله في مستويات الكتابة الأدبية والصحافية والإذاعية وما إلى ذلك. ولعل هذا الأمر محتاج إلى ضبط سياسات لغوية موحدة بين مختلف البلدان العربية تضبط الاستعمال اللغوي في الإعلام وفي مجال الطباعة والنشر..
فالطموح كبير، ومجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية قادر على تحقيقه إذا سار قدماً فيما عهدناه منه على مدى السنوات القليلة الماضية، وفيها نشاط حثيث دؤوب متنوع.. ورجاؤنا له وللعاملين فيه بالتوفيق والنجاح في رسالته النبيلة خدمة للغة العربية هوية وثقافة، وحضارة، ومستقبلاً واعداً.
** **
د. الأزهر الزناد - جامعي، تونسي