العناية المتميزة التي يتبناها مجمع الملك سلمان لخدمة اللغة العربية تبدو جليّةً للعيان واضحة البيان، والغوص في أعمال المجمع وما يقدم من برامج متنوعة أضحى أمرا مشهودا للمتابع والمهتم، ومن تصله رسائل المجمع ودعواته. ويظل المجمع علامة بارزة بين المجامع المعنية باللغة العربية تنظيما وإدارة وعملا متواصلا لإبراز دور مملكتنا الغالية ووطننا الراسخ شموخا في نشر اللغة العربية وتعزيز قيمتها عالميا وإقليميا، ويبدو أن المجمعَ كسر الاتجاه التقليدي في المحافظة على اللغة العربية وإقامة صلات متنوعة في خدمتها من خلال الإبحار في فضاء الشبكة العنكبوتية التي استطاع المجمع أن يقتحم ساحتها بقوة لا نظير لها بسبب وعيه القوي بأهمية وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة اللغة العربية.
فالمجمع يتناوب في إطلاق منصات تعليمية متنوعة لتكون ذخرا لغويا ونبعا ثريًّا، ذلك أنه جعل لذكاء اللغة العربية مركزا، وأقام منصة حياةٍ لها، بينما أطلق مدونات متنوعة تعنى بالشعر الشعبي والرياضة والترفيه. ولم يغفل العمل التقليدي في المحافظة على اللغة العربية فأصدر كتابا لمفهوم الإثبات فيها، وأقام محاضرة ليعرف مدى الوعي عنها في وسائل التواصل، وما إن يغلق برنامجا تعليميا في مركز (أبجد) لتعليم اللغة العربية حتى يفتتح تسجيلا جديدا (لاختبار همزة)، وما ينتهي من مذكرة تفاهم لخدمة العربية إلا ويطير موقعا غيرها لتعزيز حضورها وتداولها، وإن كانت بعض البرامج محصورة بساعات تدريبية أو محاضرات يومية فإنه يقيم مهرجانا شهريا للغة العربية وخدمته في أقطاب المعمورة بين الفينة والأخرى، ولم ينسَ المجمع أن يكون شريكًا في عالم الشعر، وهو شريك – كذلك - في عام الإبل، فاللغة في رحابه سلسلة تثقيفية لغوية لكل ما هو مرتبط بالإنسان العربي وغير العربي الناطق بلغتنا العربية، وهو يقدمها ومضات ذات مغزى بلقطات هادفة وصور جميلة لتصل إلى كل قارئ ومتابع.
إنها جهود لم أذكر إلا وشلا منها، وأين مني هذا البحر الزاخر بكل ما هو مفيد وجميل ومتنوع ومتعدد ومختلف. ولأنها طبيعة البشر، تظل النفس تواقة لكل ما هو مثير فيما تحب، ولأني ( أحب ) المجمع وأصحابه، فإنّ منى النفس كثيرة عليه. وحديث الروح يسري ولا يدركه إلا أحبابه.
إن اللغة العربية بحاجة حضور قوي في عالم متنوع، ولا يمكن أن تحضر إلا إذا استعلمنا تلك الأدوات التي يحبها الجميع ويتداولها الصغير والكبير، وحين تركز الجهود تثمر، وحين يتضح الهدف نصل، ولم أجد مثل الإبداع مجالا لبلوغ العربية مبلغها الأثير عند الناس، ولكن هل يكفي؟، إن الوسائل المتنوعة المشاهدة في وسائل التواصل تدعونا إلى أن نستعملها لتكون سلاحا قويا لتعزيز اللغة العربية، فالمقاطع القصيرة والأغاني العربية والمشاهد المرئية والتعليق الرياضي الصحيح لغة، والألعاب المحوسبة ما زالت بحاجة ماسة إلى اللغة العربية، ولن يكون هذا إلا بوعي كوعي مجمع الملك سلمان للغة العربية.
إن ما يدعو النفس إلى مزيد من العطاء من قبل المجمع محليا هو هذا الغياب الذي يتلمسه المتابع لهذه الجهود الرائعة والمؤتمرات الهادفة واللقاءات المتعددة، والدورات المتنوعة والبرامج المختلفة ليكون حضورها في عقول أبنائنا قويا، ويتلقاها طلابنا رغبة ولهفة، فهل تأتي لحظة ليكون المجمع حاضرا في برامجه محليا كما هو حاضر عالميا، بودي أن يجلس المهتم باللغة العربية والحريص عليها والمثابر من أجلها فيسمع حوارات متعددة عن دور المجمع وغاياته وأهدافه في كل مجلس، وعن عمل المجمع وجهوده وأعماله في كل مكان، وعن نتائج المجمع وثمراته في كل محفل، فلا يكفي أن يكون الرصد إعلاميا وعدديا، ولكن الأثر المنشود هو المقصود، والتفاعل هو الهدف، إنّ حضور معلومة أو خبر لا تعدل أثرا دائما في تصحيح خطأ شائع وتصويب غلط دائم، وتحسين لغة مستمر وتطوير أساليب كتابية متراكم، بل إنّ أثر معلق رياضي يحسن اللغة العربية ويقيم إعرابها ويمزج كلامه النثري بأبيات من الشعر له من الأثر ما لا يخفى، وإن أثر خطيب جمعة لا يلحن ولا يكرر صيغه وألفاظه ويطور من تراكيبه وأساليبه لهو من الأثر ما لا يغيب. وإن خطأ لغويا أو نحويا أو أسلوبيا في تغريدة أو مقطع صوتي أو مرئي تصدر من أبناء اللغة وبناتها ليصيب أهل اللغة بالألم ويجرح كبرياء اللغة العربية، وهذا ما هو حريّ بالمجمع أن يلتفت إليه، فالأقربون أولى بالمعروف. وما أجمل قول أبي تمام:
الودّ للقربى ولكنْ عرفُهُ
للأبعد الأوطانِ دون الأقربِ
** **
- د. أحمد اللهيب