. الدّيباجة: إنّها إحدى مُفاجآت النّسخة الثّالثة مِن المُؤتمَر التّقنيّ الدّولي (ليپ 24 LEAP) المُنعقد في الرّياض شهرَ مارس المُنصرم، كانت هي السيّدة (الرّوبوت نورة) نجمَة جناح مَجمَع المَلك سلْمان العالمي للّغة العربيّة، بشرحها المُركّز المُتضمَّن تعريفاً بالمَجمَع ومَجالات عمَله ومَشروعاته الاستراتيجيّة، وإجاباتها عن سؤالات الزّوّار، والإجابة عنها. وكانت هذه التّقنيّة المُبتكرة إيذاناً بأنّ آفاقاً جديدة قد أُشرعت أمام اللّغة العربيّة مِن خلال هذا الصّرح العلمي الذي جاء ترجمَة لمُستهدفات رؤية (2020-2030) التي يرعاها خادم الحرمَيْن الشّريفيْن ووليّ عهده الأمين، ضمْن الاستراتيجيّة الوطنيّة للثّقافة. وقد تمَكّن المَجمَع في غضون ثلاث (03) سنوات وبضعة أشهر مِن الاضطلاع بالمَهام المَنوطة به تعزيزاً لدور اللّغة العربيّة ومَكانتها، مَحلياً وإقليمياَ وعالمياَ، وإبرازاً لقيمَتها المُعبّـرة عن العمْق اللّغويّ للهُويّة العربيّة والثّقافة الإسلامِيّة، وأن يكون مَرجعيّةً على مُستوى المَمْلكة العربيّة السّعوديّة وعلى المُستوى العالمي، في كل ما له صلة باللّغة العربيّة وعلومِها، ويُسهم المَجمَع في تحقيق أهداف برنامِج تنمِيّة القدرات البشريّة، مِن خلال مُبادراته وبرامِجه ومَشروعاته اللّغويّة المُتنوّعة الرّامِيّة إلى المُحافظة على سلامَة اللّغة العربيّة وهُويّتها اللّغويّة، ودعمِها نطقاً وكتابةً، وتيسير تعليمِها وتعلّمِها داخل المَمْلكة العربيّة السّعوديّة وخارجها، وتعزيز إمكاناتها وإسهامِها الحضاريّ والعلميّ والثّقافيّ بالوسائل المُختلفة، والعمَل المُستمِرّ على إضافة مَعاجم جديدة وأدوات حاسوبيّة للبحث؛ تلبيةً لاحتياجات المُستخدمين العامّة والعِلمِيّة. والجدير بالذّكر هنا أن العمَل المَجْمَعيّ الجاري داخل هذا الصّرح الحضاريّ المُتمَيّـز تُؤطّره أربعة مَجالات لغويّة حيويّة، هي: التّخطيط، والتّثقيف، والتّعليم، والحوسبة؛ وهي مشاريع جبّارة طويلة النّفس، ولها مَآلات مِهمَّة في تطوير اللّغة العربيّة. وتندرج تحت كلّ مِنها مَجموعة مِن المَشاريع والمُبادرات الفرعيّة التي تخصّ بعض الأمور الاستعجاليّة. ولأنّ الإتيان على كلّ مَجال على حدة يستنفد القدر المُتاح في مِثل هذه المَساحات، ففي ورقتنا هذه نحاول الوقوف على المُبادرات الرّياديّة ضمْن كلّ مِن القطاعات الأربعة:
أوّلًا: مُبادرات في مَجال التّخطيط والسّياسة اللّغويّة: ثمّة حزمَة مِن الأعمال يجري تنفيذها في هذا القطاع، وهي في مَجملها تندرج تحت ثلاث مَسائل:
1/ التّشخيص الدّقيق لحالة اللّغة العربيّة مَحلّيّا وعالمِيّا: ومِن هنا تأتي أهمِيّة (بناء مُؤشّر خاصّ باللّغة العربيّة) ينتظم عدداً مِن المُؤشّرات النّوعيّة والكمِّيّة - قاربت الخمْسين (50) مُؤشّراً في ثماني (8) نطاقات رئيسة- لقياس حالة اللّغة العربيّة وتحليلها، ومِن ثَمّ اعتماده مَرجعاً للعامِلين في مَجال اللّغة العربيّة، ومَصدراً للمُهتمّين وصُنّاع القرار.
2/ بناء قواعد بيانات اللّغة العربيّة: ومِن جمْلتها: قاعدة بيانات اللّغة العربيّة، وقاعدة بيانات المُحتوى العربيّ الرّقميّ، وقاعدة بيانات المُبادرات اللّغويّة، يستهدي به راسمو السّياسات والتّخطيط اللّغويّ في الوطن العربي.
3/ النّشر العلميّ المُختصّ: وهو مَسار يُعنى بالبحث والنّشر في المُحكّمات مِن المَجلّات العلمِيّة التي تستهدف خدمَة مَجالات مُهمّة ذات الأولويّة في اللّغة العربيّة، وفي هذا السّياق، جرى دعم ستّين (60) مَشروعاً بحثياَ، كما أطلق المَجْمَع سابقاً ثلاث مَجلاّت بالتّعاون مَع مَركز المَلك عبد الله بن عبد العزيز الدّولي لخدمَة اللّغة العربيّة، وهي: مَجلّة اللّسانيّات العربيّة، ومَجلّة التّخطيط والسّياسة اللّغويّة، ومَجلّة تعليم العربيّة لغة ثانية. ولاحقًا مَجلّة اختبارات اللّغة، ومَجلة اللّغويّات الحاسوبيّة والمُعالجة الآليّة للّغة العربيّة، ومَجلّة علوم اللّغة العربيّة.
4/ مُنصّة المُستشار اللّغويّ: مِنصّة لغويّة للإفتاء اللّغويّ، تقدّم خدمات استشاريّة عامّة ومجّانيّة، تهدف إلى توفير مَعلومات لغويّة رسمِيّة وصحيحة لمَن يحتاج إليها. فتستقبل سؤالات المُستخدمين، وتُحال على مُختصّين لغويّين، ثم تنشر إجاباتهم على المِنصّة بعد أن تُبرَد إلى المَعنيّين.
ثانيًا: مُبادرات في مَجال التّعليم: وفي هذا المَجال اللّغويّ الحيويّ، استهدف المَجمَع أطراف العمَليّة التّعليمِيّة التّعلمِيّة كافّة؛ فمِن النّاحيّة النّظريّة أنشأ المَجمَع مَعملا لابتكار أدوات تعليم حديثة في مَجال اللّغة العربيّة، عن طريق بناء مِنصّة إلكترونيّة وتفع يلها، لتعليم اللّغة العربيّة والثّقافة السّعوديّة. كما أوجد مَركز (أبجد) لتعليم اللّغة العربيّة للنّاطقين بغيرها، ليقدّم برامِج تعليمِيّة بطريقة شائقة مُتمَيّزة تجمَع بين تعلّم اللّغة العربيّة وثقافتها في بيئة تعليمِيّة جاذبة، وفي بيئة ثقافيّة مُحفّزة تُيسّر للمُتعلّمين تعليمَها والتّواصل بها، وتساعدهم على الاندماج في المُجتمَع، مُعتمِداً اختبار (همزة)؛ باعتباره اختباراً مُحوسباً مُقنّناً يقيس كفايات اللّغة العربيّة للنّاطقين بغيرها في استخدام المَهارات اللّغويّة الأربع: الاستماع+ القراءة+ الحوار+ الكتابة، وفقاً للإطار الأوروبي المُشترك للّغات (CEFR).
وإيماناً مِن المَجمَع بأهمِّيّة العنصر البشريّ، يعمَل على تدريب وتأهيل كفايات في تعليم اللّغة العربيّة للنّاطقين بغيرها، عن طريق تقديم دورات نوعيّة داخل المَمْلكة العربيّة السّعوديّة وخارجها.
والجدير بالتّنويه هنا بمُبادرة (برامِج الانغماس اللّغويّ) التي يتكفّل المَجمَع فيها بتكاليف الدّراسة والسّكن والتّنقّلات لفتـرات قصيرة؛ لمُسجّلين مِن مُتعلّمي اللّغة العربيّة النّاطقين بغيرها في عدد مِن المَسارات، ذات صلة بالسّياحة والثّقافة والديّپلوماسيّة؛ ليتلقّوا العربيّة في سياقها المَحليّ والثّقافيّ. كما أطلق مَجمَع المَلك سلْمان قناتين تعليمِيّتين على مِنصّة اليوتيوب بوسم (العربيّة للعالم) وتستهدفان مُتعلّمي اللّغة العربيّة النّاطقين بغيرها، وتُقدّمان مُحتوى عربيّاً تعليمِيّاً سهلاً وفعّالاً في مَسارات مُختلفة، إحداهما للكبار، والأخرى للأطفال ما دون سنّ الثّانيّة عشرة؛ تطويراً لمَهاراتهم اللّغويّة.
ثالثًا: مُبادرات مَجال الحوسبة: تهدف مَشروعات هذا القطاع الحسّاس إلى الإسهام الفاعل في ربط التّقنيّات الحديثة باللّغة العربيّة، ومِمّا يتعيّن الإشارة إليه مِن مُخرجات هذا القطاع ما يلي:
1. مِنصّة فلك للمُدوّنات اللّغويّة: وهي توليفة مِن الذّخائر اللّغويّة للعربيّة المُعاصرة لآخر مِئة (100) سنة مَفتوحة المَصدر ذات جودة عاليّة، تكون مَرجعاً رائداً للمُتطلّعين إلى دراسة البيانات اللّغويّة العربيّة، ورصد الظّواهر اللّغويّة، وبناء تطبيقات حاسوبيّة تُسهّل البحث اللّغويّ، واسترجاع المَعلومات وتحليلها، وتشكّل البنية الأساسيّة لمُعجم عصريّ للّغة العربيّة.
2. مِنصةَ (سوار) للمَعاجم اللّغويّة: وهي فضاء رقميّ لتأليف المَعاجم وإدارتها ونشرها وفقاً لأحدث المَنهجيّات العلمِيّة المُتّبعة في صناعة المَعاجم العربيّة، تضمّ حالياً عشرة (10) مَعاجم لغويّة، وما يزيد عن مِئة وثمانين ألف (180.000) مَدخل مُعجميّ.
4. مُعجم الرّياض للّغة العربيّة المُعاصرة: مُعجم عامّ مَبنيّ وفقًا للمِعيار العالمي للصّناعة المُعجمِيّة (LMF) ISO 24613، أفاد مِن التّقنيّات الحديثة في الصّناعة المُعجمِيّة العربيّة، وشارك في إنجازه عدّة فرق علميّة وفنّيّة متخصّصة في الصّناعة المُعجمِيّة الحديثة، مُستندين إلى عدد مِن المُدوّنات اللّغويّة ومَعاجم رقمِيّة مَحفوظة بعدّة أشكال، كالمَعاجم الشّابكيّة، وتطبيقات الأجهزة الذّكيّة.
5. مَركز الذّكاء الاصطناعيّ في مُعالجة اللّغة العربيّة (مركز ذكاء العربية): يهتمّ هذا المَركز بالبحث في اللّغة العربيّة باستخدام تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ، من خلال تطوير الأدوات العلمِيّة والبحثيّة والتّطبيقات الحاسوبيّة التي تُسهم في تسهيل التّعامُل مَع اللّغة مِن قبل الحاسب، وفي الحضور اللّغويّ على المِنصّات والتّطبيقات الحاسوبيّة.
6. بَرْمَجان العربيّة (هاكَثون/ Hackathon): تحدّ تقنـي عالميّ مُوجّه إلى ذوي الطّاقات والكفايات التّقنيّة واللّغويّة مِن جميع دول العالم، يطلقه المَجمَع لابتكار حلول تقنيّة ومِنصّات رقمِيّة، وتقديم أدوات مُتخصّصة في مُعالجة اللّغة العربيّة آليًّا تعزيزاً لمَكانتها بين لغات العالم الحيّة، وتوظيف التّقنيّة لخدمَتها.
رابعاً: مُبادرات مَجال التّثقيف: يقدّم هذا القطاع أفكاراً مُتنوّعة لتثبيت الهُويّة اللّغويّة في الفضاء الاجتماعيّ، وتعزيز مَكانة اللّغة العربيّة في نفوس أبنائها؛ انطلاقاً مِن الوعي بأنّ العربيّة جزء مِن الهُويّة والثّقافة، ويعمَل هذا القطاع على مُستوى البرامِج طويلة المَدى والبرامِج والفعاليّات القصيرة، ويهدف إلى تقديم عمَل لغويّ ثقافيّ جاذب ومُبتكر.
1. جائزة مَجمَع المَلك سلْمان لخدمَة اللّغة العربيّة: هي جائزة سنويّة عالمِيِّة لخدمَة اللّغة العربيّة، أُطلقت في 20 مارس 2022، لتعزيز حضور العربيّة، وتكريم المُتمَيّـزين في خدمَتها مِن الأفراد والمُؤسّسات العامّة والخاصّة، وتقدير جهودهم، ولفت الأنظار إلى عظيم دورهم في حفظ الهويّة اللّغويّة وترسيخ الثّقافة العربيّة.
2. مِنصة (خوالد الشّعريّة): هي مِنصّة إلكترونيّة تركِّز على إثراء المُحتوى العربيّ في مَجال الشّعر العربيّ ال فصيح، وتستهدف تسجيل 1000 قصيدة، تعود إلى فترة ما قبل الإسلام، تزامُناً مَع عامّ الشّعر العربيّ، الذي أطلقتْه وزارة الثّقافة سنة 2023.
وتتويجا لكلّ ما سبق، يعقد المَجمَع سنوياً مُؤتمَراً دوليّاً لمُناقشة مَوضوعات وقضايا جوهريّة ذات صلة باللّغة العربيّة؛ إضافة إلى تقديم مُبادرات ومَشروعات لخدمَتها في المُنظّمات الدّوليّة التّنسيق والتّكامُل بين الجهود في المُنظّمات الدّوليّة.
** **
أ.د. صالح بلعيد - رئيس المَجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر