حرص مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية منذ تأسيسه على ابتكار العديد من المبادرات التي يسهم بها في تعزيز دور اللغة العربية إقليميًّا وعالميًّا، وهو بذلك يشكل لبنة أساسية من لبنات المعرفة بالفكر اللغوي العربي الذي ترعاه العديد من المجامع والمراكز اللغوية المهتمة بإغناء علوم العربية وآدابها وفنونها.
بهذا الاعتبار بلور مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية العديد من البرامج الخاصة اقتضى توجُّه المشرفين عليه على أن تستند مرجعيتها على بحث قضايا السياسة اللغوية وحوسبتها وتعليمها وتعلمها وبيان أبرز إنجازاتها الثقافية. تبدو لي هذه المرجعية متناغمة مع ما تعرفه الاتجاهات المعاصرة المهتمة بالتدبير اللغوي خاصة ما تعلق منها بإعداد الدراسات حول واقع اللغة العربية بأفق تفكير يتطلع نحو المستقبل باستخدام تقانة المعلومات والاتصال ووسائط التواصل الحديثة، ووضع الحوافز لتشجيع الأفراد والمؤسسات، وما جائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية إلا خير دليل على هذا الدعم المعتبر خدمة للغة وتعزيزا للهوية العربية.
هكذا خطّ المجمع خطوات محمودة في الاهتمام باللغة العربية وطرائق تدريسها للناطقين بها وبغيرها، وعلى الرغم من كل هذه الجهود التي تنخرط فيها مؤسسات ومعاهد لغوية من المحيط إلى الخليج، فإنها تظل في حاجة إلى المزيد من الاهتمام ويكفي التذكير طبقاً لإحصائيات موثوقة بإنَّ أكثر من مائة مليون عربي في عداد الأميين، أي أنَّ نسبة الأُمِّيّة في البلاد العربية تبلغ أكثر من 35 %، وأن 25 % من الأطفال في سنِّ التمدرس، لا تُتاح لهم فرصة الالتحاق بالمدارس، وأنَّ نسبةً كبيرةً من المواطنين لا يتمكّنون من تنمية لغتهم العربية.
ليس الاهتمام باللغة العربية في مرجعيات المجمع وأدبياته مجرد تنظير، بل إنه موجّه للفعل والعمل، فأثمر خططاً وإصدارات مرجعية لا محيد عنها من أجل تطوير مناهج اللغة العربية وأساليب تدريسها، وانتهاءً، في الفترة الأخيرة، بإنشاء العديد من المنصات الرقمية، أبرزها منصة سوار للمعاجم اللغوية- وفلك- والمستشار اللغوي- ومعجم الرياض للغة العربية المعاصرة.
اللغة العربية رمز هوية الأمة وحافظة تراثها وثقافتها، إنها مقوّم من مقوّمات وجودنا، وركيزة انتسابنا للعصر الحديث وقد أضحى قرية واحدة وصغيرة تتداخل فيها اللغات والثقافات. نعلم اليوم أكثر من أي وقت مضى أن للتنمية الاقتصادية صلة بالتنمية اللغوية. ولذلك، ينبغي أن يكون التطوّر الحاصل في محددات التنمية العربية، على مختلف الأصعدة، جزءًا من التنمية اللغوية المنشودة، والتي تتطلب تقويماً علمياً ونقدياً لمجمل الخيارات اللغوية ولواقع استعمالها في المرافق العمومية، وفي مجالات الإبداع والفكر والتعليم.
هكذا، تأتي جهود مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية متميزة في مجال اختصاصها ذي الصلة بجودة تعليم اللغة العربية، والتكوين المستمر في مناهج التحصيل اللغوي، مع حرصه المستمر أن تكون التنمية اللغوية مصحوبة بالمعالجة الآلية للغة العربية على صعيد الحوسبة والبرمجيات سعياً إلى توفير معرفة لغوية تحافظ على ثقافتنا العربية الأصيلة وقيمنا الاجتماعية الراسخة.
والله من وراء القصد.
** **
د. عبدالفتاح الحجمري - مدير مكتب تنسيق التعريب - ألكسو - الرباط المملكة المغربية