كتبت ورقة للمجلة العربية التي خصَّصت عددًا بمناسبة صدور الإرادة السامية بقيام هذا المجمع بعنوان (فرحة واستبشار) وذلك في سبتمبر2020م، وذكرت أن القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء السعودي بإنشائه هو قرار تاريخي، وأن إنشاءه فيه تأكيد لريادة المملكة الشقيقة في خدمة اللغة العربية والثقافة الإسلامية، وأن قيامه سيمثل إضافة نوعية للجهود المبذولة لخدمة اللغة العربية.
وقد تحقق ما عبَّر عن هذه الفرحة؛ بأن عمل المجمع على أن يطوي المسافات الزمنية، وأن ينطلق بخطى ثابتة، وبرؤية هدفت إلى تحقيق الريادة والمرجعية العالمية في خدمة اللغة العربية، فضلاً عن رسالة رمت إلى العناية والاعتزاز باللغة العربية، وتمكين إسهامها الحضاري والعلمي والثقافي؛ لتكون المملكة رائدة في مجالات اللغة العربية وتطبيقاتها.
وتبلورت الخطوات العملية لأعمال المجمع في تحديد مسارات أربعة تمثلت في السياسات اللغوية، والحوسبة اللغوية، والتعليم والتعلم، والثقافة اللغوية، وأنجز المجمع في كل مسار منها ما يفوق حد الوصف، وما يبهر، تدعمه في هذا الرعاية الكريمة من أعلى مستويات الدولة؛ تحقيقاً لرؤية 2030م، في تنمية القدرات البشرية، بتوفير الإمكانات المالية المُعينة، وتحقيق المتابعة اللصيقة من وزارة الثقافة التي يرأس وزيرها مجلس أمناء المجمع، واستقطاب كفايات علمية وإدارية مقتدرة، ومتحمسة، تولت المسؤولية في هذه المسارات الأربعة، وحققت الإنجاز والإعجاز الذي يحق للجميع الافتخار به.
وعمل قطاع السياسات اللغوية بالمجمع على تعزيز البحث، والنشر في اللغة العربية، وتعزيز مكانة المجمع على المستويين المحلي والعالمي، وحدد مؤشرات نوعية وكمية لقياس حالة اللغة العربية، ورصد السياسات اللغوية في الدول العربية، فضلاً عن دعم اللغة العربية في المنظمات الدولية، ومما عُنِي به المجمع في هذا القطاع عقد مؤتمر سنوي، وقد تشرفت في العام الماضي 2023م بحضور المؤتمر الثاني للمجمع الذي خصص للبحث في التجارب والنظريات والتطلعات الخاصة بالاختبارات اللغوية.
وكان لقطاع الحوسبة اللغوية بالمجمع جهد مشكور، وريادة تجاوبت مع أهداف المجمع؛ لتحقيق المرجعية العالمية في المدونات اللغوية والمعاجم العربية، وقد سعدت في العام الماضي (2023م) بإطلاق معجم الرياض للغة العربية المعاصرة، الذي وُظفت فيه التقنية باقتدار لإنجاز عمل معجمي متميِّز.
ولم تقل جهود قطاعي التعليم والتعلم، والثقافة اللغوية عن سابقيْها في تحقيق الريادة العالمية للمجمع؛ حيث عمل قطاع التعليم على تطوير مستوى تعليم كفايات اللغة العربية، فضلاً عن تعليم العربية للناطقين بغيرها، وتلبية رغبات أصحاب الأغراض الخاصة لتعلمها، وعقد الدورات التدريبية، وتكثيف أنشطته في الاحتفاء بشهر اللغة العربية، وباليوم العالمي للغة العربية. ومما يذكر لقطاع الثقافة اللغوية الحرص على نشر ثقافة اللغة العربية، وتنظيم جائزة مقدرة لتشجيع البحث العلمي، ومكافأة العلماء.
وفي ختام هذه الورقة أشير إلى أن لهذا المجمع صاحب الريادة حضوراً متميزاً في اتحاد المجامع اللغوية العربية وأعماله العلمية، وله سهم أصيل في إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية، كما امتدت أياديه الخيرة للتنسيق مع المجامع العربية من خلال الندوات، والأعمال المشتركة، وعَقَد مع مجمع السودان ندوة عن الصناعة المعجمية، فضلاً عن أكثر من لقاء إسفيري بين بعض القطاعات المتناظرة في المجمعين. ونتطلع إلى إسهام المجمع بالمزيد للتنسيق بين المجامع، وتفعيل دور اتحاد المجامع اللغوية العربية، والعمل على دعم المجامع ذات الإمكانات الضعيفة، وتبادل الخبرات، وتشجيع العمل الجماعي، وتفعيل القرارات الخاصة بحماية اللغة العربية، والعمل على استصدار التشريعات التي تكتب لها السيادة في المجتمعات العربية، والانتشار على المستوى الدولي.
** **
أ.د. بكري محمد الحاج - رئيس مجمع اللغة العربية السوداني