منذ ما يربو على العشرين عامًا وأنا وكثير من المهتمين بقضايا اللغة العربية يترقبون إنشاء مجمع للغة العربية في مهدها، وكنا نتساءل عن سبب تأخر ذلك. وقد سعدت عند إنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية منذ عامين تقريبًا. وكنت أتساءل ما عسى أن يفعل مجمع للغة العربية وهناك العديد من مجامع اللغة العربية في أرجاء البلاد العربية؟ وهل من جديد سيأتي به هذا المجمع؟
لكن من زياراتي المتكررة للمجمع وتواصلي مع المسؤولين فيه ومشاركتي في بعض فعالياته الكثيرة وجدت تساؤلاتي الإجابات عليها عمليًا تثلج صدر كل من يتمنى أن تلقى اللغة العربية لغة القرآن الكريم من خدمات وإنجازات لا يكاد المرء أن يصدق تحقيقها خلال عامين فقط منذ إنشائه. فقد تجاوزت هذه الإنجازات جميع التوقعات بفضل الله وبالتفاني الذي أبداه العاملون بالمجمع، بدءًا بأمينه العام وانتهاءً بأصغر العاملين به. فمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية أثبت بجدارة أنه ليس مجمعًا آخر يضاف إلى المجامع الأخرى، فهو مجمع عالمي الصبغة من حيث توجهاته وبرامجه التي تشمل خدمة العربية والعرب داخل المملكة العربية السعودية وخارجها. وقد أنجز في فترة وجيزة من عمره المبارك الكثير من الإنجازات التي طالما تمنينا تحقيقها على مستويات عديدة ومستويات مختلفة ومجالات رائدة.
فمن أبرز إنجازات المجمع في مجال السياسة اللغوية: (1) مؤشر اللغة العربية والتقرير السنوي. (2) منظومة بيانات السياسات اللغوية في الدول العربية. (3) دعم اللغة العربية في المنظمات الدولية. (4) منصة المستشار اللغوي الذي يعين جميع المعنيين بالعربية من باحثين ومعلمين ودارسين. (5) المؤتمر السنوي للمجمع.
ولئن كانت بعض هذه الأعمال تقوم بها بعض المؤسسات العربية، فإن المجمع خطا خطوة أبعد من ذلك في سبيل خدمة اللغة العربية، ليجعل اللغة العربية تساير اللغات العالمية الأخرى في مواكبة التطور العلمي التقني، فقد أبدع المجمع في هذا المجال بجعله حوسبة اللغة العربية والاستفادة من الحاسوب عمومًا ومن تقنيات الذكاء الاصطناعي نصب عينيه، فجاءت (1) مشروعات المعاجم الإلكترونية (منها معجم الرياض)، (2) إنشاء «مركز ذكاء العربية» لتطوير البرامج الحاسوبية المبنية على الذكاء الاصطناعي. (3) برنامج «برمجان العربية» لمساعدة الباحثين في خدمة اللغة العربية حاسوبيًا. (4) مشروع مدونات اللغة العربية.
لكن المجمع لم يقتصر عمله على الجوانب اللغوية العلمية والبحثية المتطورة فحسب بل نجد أن خدماته الطموحة شملت معلمي اللغة العربية ومتعلميها من أهلها ومن غير الناطقين. فجاءت دورات تطوير المهارات اللغوية للموظفين، وبرامج تدريب معلمي العربية للناطقين بغيرها، وتقديم هذه البرامج في مواقع وبلدان مختلفة وعبر الدورات الافتراضية التي يستفيد منها المعلمون في أنحاء العالم، إضافة إلى برامج تعليم العربية.
ولا شك أن من أهم إنجازات مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية إنجازه اختبار «همزة» لقياس الكفاية في اللغة العربية بوصفها لغة أجنبية، لا يقل عن مثيلاته في اللغات الأخرى (مثل التوفل والآيلتز للإنجليزية).
في مجال الثقافة اللغوية أنشأ المجمع جائزته السنوية ومسابقات لدارسي العربية من غير أهلها وللأطفال العرب.
ويجب ألا ننسى الدوريات الرائدة التي يصدرها المجمع في مجالات اللسانيات العامة والتعليمية والحاسوبية والتخطيط والسياسة اللغوية.
إن ما ذكرناه إنما هو غيض من فيض من إنجازات مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ولا شك أنه ما كان له أن يقوم بها لو اختياره الموفق للخبراء والعلماء المتفرغين والمتعاونين معه، إضافة إلى شراكاته الداخلية والخارجية، مما يجعله بحق مجمعًا عالميًا تشرف به المملكة العربية السعودية، بل والعرب جميعًا.
** **
أ.د. محمود إسماعيل صالح - أستاذ اللسانيات التطبيقية بجامعة الملك سعود (سابقًا)