عرفتُ مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية منذ إنشائه، وقد كان الفرح به كبيرًا، وحق لأهل اللغة ومحبيها أن يفرحوا به، فهو آخر مجامعها زمنًا في بلدها الأول الذي كان موئل أجدادنا العرب الأصلاء الفصحاء الذين بُعث فيهم خير المرسلين بخير رسالة وخير كتاب.
والحقَّ أقول لم أكن أظن أن المجمع سينطلق بهذه القوة والاستمرار والنظام، فمع أني متخصص في علوم اللغة، وتهمني كثيرًا أعمال المجمع، لم أستطع أن ألحق نشاطاته وأعماله وإنتاجاته الكثيرة.
ولأن الخيل من خيالها كان لمسؤولي المجمع أثرهم الحسن والكبير في نشر الارتياح في نفوس أهل اللغة لما عرف عنهم من حسن إدارة، وفضل علم، وغيرة محمودة، وتالله يفتأ مدير المجمع د. عبدالله الوشمي كل حين يتواصل مع مختلف المتخصصين فيما فيه مصلحة المجمع والعربية وأهلها.
وفي وقت قصير في حياة المجامع اللغوية صار هذا المجمع شامة في جبين العمل اللغوي، إذ لا يخلو أسبوع من لفيف من الأنشطة اللغوية المتنوعة في داخل السعودية وخارجها.
ويقيني الراسخ أن من أهم أسباب هذا النجاح ما بذله منشئوه من جهود دائبة متأنية في وضع سياسات حكمية بعيدة النظر، حكمت بعد ذلك أعماله، وحوكت أعماله إليها.
ومن أهم السياسات اللغوية للمجمع وضعه لـ(مؤشر اللغة العربية)، وهي مؤشرات بلغت قرابة (50) مؤشرًا في (8) نطاقات رئيسة؛ لتكون مرجعًا للعاملين في مجال اللغة العربية، ومصدرًا للمهتمين وأصحاب القرار.
وكذلك وضع (منظومة بيانات السياسات اللغوية في الدول العربية)، تهدف إلى رصد السياسات اللغوية في الدول العربية، ودراسة حالتها وكيفية تفعيلها والاستفادة منها لتعزيز مكانة العربية، وقد جمع المجمع أكثر من (2200) سياسة لغوية.
وكذلك تقنين (السياسات والمعايير اللغوية)، لتسهم في توجيه الواقع اللغوي، كسياسة الحقوق اللغوية للصم، والحقوق اللغوية للطفل، ومعايير تعليم العربية لغةً ثانية، ومعايير استعمالها، وحوسبتها.
وكان المجمع وما زال حريصًا على (دعم العربية في المنظمات الدولية)، لتعزيز حضورها وفاعليتها الحضارية من خلال مشاريع مستديمة، كاليونسكو، والأمم المتحدة.
كما أسهم المجمع في خدمة المجتمعات العربية على مختلف مستوياتها، بالإجابة عن أسئلتها، وبث الوعي اللغوي فيها، من خلال منصة (المستشار اللغوي)، التي تجاوز عدد المستفيدين فيها (100.000).
وللمجمع (مؤتمر سنوي)، يناقش فيه موضوعات وقضايا لغوية مهمة، انطلاقًا من إستراتيجية المجمع وسياساته اللغوية، تهدف إلى التعرف على جهود المنظمات الدولية المتعلقة بالعربية، واستشكاف موقعها في هذه المنظمات وأبرز العوائق أمامها، والتنسيق بين الجهود الخادمة للعربية في هذه المنظمات، وتقديم مبادرات ومشاريع لخدمة العربية في هذه المنظمات.
وقد أحسن المجمع في الاستفادة من وسائل التواصل والشبكة العالمية، فنشر (معجم الرياض للغة العربية المعاصرة)، و(مركز ذكاء العربية) الذي يطوّع الذكاء الحاسوبي لخدمة العربية وتقريبها إلى الناس، و(منصة فلك للمدونات اللغوية) التي تتيح للباحثين مصادر البيانات اللغوية، وتساعدهم على دراسة الظواهر اللغوية، وأقام التحدي التقني (برمجان العربية) في أكثر من نسخة.
إن مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية أبدع ويبدع دائمًا في سبيل خدمة العربية، ويجدّ في تعليمها للعالم كله في قناتيه في اليتيوب (العربية للعالم)، و(مركز أبجد لتعليم العربية للناطقين بغيرها)، و(شهر العربية).
ولا يغفل المجمع أهمية الجوائز والمسابقات والمعارض، فجائزته السنوية أضحت اليوم من أهم الجوائز اللغوية، ويشارك مشاركة ثرية كل سنة في اليوم العالمي للغة العربية، ويقيم أكثر من مسابقة لغوية للأطفال ولغير العرب.
ولا زالت آمال اللغويين تبرق في سماء المجمع!
** **
أ.د.سليمان بن عبدالعزيز العيوني - أستاذ النحو والصرف