هنا، على أديم الصحراء العربية، حيث تنساب الرمال كحروف قصيدة منسوجة بلغة الأجداد، تستفيق الذكرى في 22 فبراير من كل عام بقلب نابض بحكاية أمة رسمت رخاءها بسيف العز ومداد المجد. يوم التأسيس لم يكن لحظة عابرة في الزمن، بل كان بصمة قدم غاصت في أعماق التاريخ لتنبت شجرة الملك العتيق، جذورها قوة الإيمان، وأغصانها وارفة الظلال.
سطر الإمام محمد بن سعود، أكرم الله مثواه، أولى حروف الملك بحروف من نور، فكانت بداية مشهد تتراصف فيه الأجيال كالنجوم، كلٌّ يضيء سابقه. ومضت القافلة تخترق صمت القرون، تحمل في صدورها وعدًا بمجد لا يغيب، حتى بزغ الفجر الجديد على يدي فارس الوحدة، عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، فصاغ من شتات الأرض نسيج وطن، ورفع للعزة راية تتحدى الرياح.
اليوم، تحت ظل راية لا تنكسر وعزيمة لا تلين، تمشي المملكة على خطى الرؤى، تحمل مشعل الحضارة بيد، وسيف الثبات بالأخرى. في عهد ملك الحكمة سلمان، وولي عهده الأمين محمد بن سلمان، أيدهما الله، تتحول الصحراء إلى بحور من الضياء، وتصعد المدائن كالشهب إلى عنان السماء. رؤية تلف الأرض حللًا من المعجزات، جسور تعانق السحاب، ومدن تتحدث بلغة المستقبل.
ها هي الذكرى تحمل في طياتها نسمات رؤية 2030، حين تحولت الأحلام إلى مسار ملكي يخطو بثبات نحو آفاق عظيمة. فمدينة نيوم تتشكل كواحة تقنية تستشرف غد الإنسان، والقدية تصدح بصوت التراث والحداثة، والبحر الأحمر يزين جبين الساحل بجزيرة ذكية تتنفس بروح المستقبل.
هذه النهضة امتداد لسلم من التضحيات، كانت المرأة السعودية شريكة العطاء، تحمل مشعل العلم وتبني بأناملها أعالي المجد. ففي قمم طويق، تتألق أسماء نسائية في فضاءات الفضاء والهندسة، كنجوم ترسم خارطة العظمة.
وفي عروق هذا الوطن، يجري دم التراحم، فمساحات السعودية الخضراء تغسل وجه الصحراء بعذوبة الأمل، ومشاريع الكربون الأصفر تحمي سماء الأرض كالخوذة الذهبية. حتى الرياض صارت ملتقى العالم، وتستقبل أضواء مهرجان التراث كعرس دائم للثقافة.
وإذ نحن نستظل بظل هذه الذكرى، لا ننسى أن كل حجر في هذا الوطن يهتف بقصة مؤسس المملكة الحبيبة، الذي قال: الوطن لا يرقى إلا بأبنائه. فها هم الأبناء، يرفعون ألوية الوطن الخضراء، يبحرون بسفن الإرادة نحو ميناء التميز، ويرسمون بكل انتصار جديد مستقبلهم الواعد.
هذه الذكرى ليست محورًا للحنين إلى الماضي، بل هي وعد نحمله إلى الغد. نرفع الأكف دعاء، اللهم احفظ لنا هذا الوطن حصنًا شامخًا، واجعل أيامه سلسالًا من النصر والاقتدار، وانثر على ثراه بركات تجعل كل حبة رمل فيه تروي حكاية مجد يتجدد.
نسأل الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، ويسدد خطاهما نحو رفعة المملكة وعزتها، وأن يديم على بلادنا الأمن والأمان، والمجد والازدهار، وأن يبارك لشعبها الوفي الذي لم يزل يكتب بيديه سطور الفخر والعطاء.
** **
- عبدالله بن حمد الدريويش