لطالما ترسّخ عندي منذ اليوم الأول لاحتفاء المملكة بيوم التأسيس أن هذا الاحتفاء السنوي هو احتفاء بإشادة البناء الذي قام ويقوم على ذلك الأساس المتين الذي جرى بتوفيق من الله سبحانه وتعالى على يد الإمام المؤسس محمد بن سعود بن مقرن في منتصف العام 1139هـ/ الموافق 21 فبراير 1727م، وهو الإمام الذي تُنسب إليه الأسرة السعودية الحاكمة، وإليه يُنسب تأسيس مُلْكها الذي بُني منذ الوهلة الأولى على نصرة الإسلام، وتحقيق العدالة، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة حدود الله، وخلاف ذلك من المثل الحميدة التي لا تزال مَرْعِيّة من لدن أسرتنا السعودية الحاكمة حتى عصر الناس هذا، وستظلّ كذلك إن شاء الله بحوله وقوته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد مرّ البناء على ذلك الأساس المتين بمراحل أولها: إيجاد المِهَاد، أو البقعة الجغرافيّة التي أقيم عليها، والتي بدأت منذ عهد المؤسس الإمام محمد بن سعود نفسه حتى تكاملت تلك المرحلة قبيل وفاة حفيده الإمام سعود الكبير بن الإمام عبدالعزيز بن الإمام المؤسس محمد بن سعود في 11 جمادى الأولى عام 1229هـ/ الموافق 1 إبريل 1814م حينما اتّسعت رقعة البلاد السعودية في عهده -رحمه الله- لتشمل معظم أقاليم الجزيرة العربية، وبعض أطراف الشام والعراق. ثم استوى البناء على سوقه فوق ذلك المهاد أو البقعة الجغرافية في عهد الملك المجدّد عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -رحمه الله- الذي أرسى وحدة اندماجية بين تلك الأقاليم المتباينة من جزيرة العرب لم يشهد التاريخ لها مثيلاً إلا فيما ندر، وشاد بعبقريّته الفذّة على أرضها مملكة مترامية الأطراف، وأخذ بمختلف أوجه الوسائل الحديثة الرامية إلى تطوير مملكته الفتية، والعمل على نموها وازدهارها، وترك إرثًا عظيمًا من الكرم والصدق والعدل في الرعية، والقدوة الحسنة لمن جاء بعده من الملوك البررة المتحدّرين من صُلْبِه رحمه الله، فساروا على نهج والدهم، وسلكوا طريقه في الحفاظ على وحدة الوطن، وإسعاد شعبه، فَنَعِمْنَا جميعًا بحكمهم العادل، وما تحقّق للوطن في عهودهم المتعاقبة من نهوض متصاعد طوال فترات حكمهم -رحمهم الله-، فأجمع الناس من مختلف أرجاء الوطن على حبّ ملوك هذه البلاد من آل سعود في حياتهم، والترحّم عليهم بعد مماتهم.
ويشهد البناء اليوم في ظل قيادتنا الرشيدة الحالية خطوات متسارعة من النمو والازدهار الذي لامس كل أركان ذلك البناء وفق خطة مدروسة تتمثَّل في رؤية ثاقبة هي رؤية المملكة 2030 ومستهدفاتها التي تحقّق معظمها، ولما يمضِ عليها ثلثا المدة المخطط لها من تاريخ اعتمادها وانطلاقها. ومن أهم مستهدفاتها التي تسترعي الانتباه - إلى جانب النهضة العمرانية، وما يتصل بها من طرق ومرافق عامة، وتنويع في مصادر الدخل الوطني وخلافها - تلك الالتفاتة السريعة التي استهدفت بناء الإنسان، ومن ذلك تمكين المرأة التي أثبتت وجودها في كل مرفق من مرافق الحياة، وفي كل ميدان من ميادين العمل الجادّ في القطاعين العام والخاص، وضربت بسهم وافر في نهضة الوطن وتطوره وازدهاره جنبًا إلى جنب مع أخيها الرجل.
أسأل الله أن يديم على هذا الوطن المعطاء، وشعبه العظيم أمنه وأمانه واستقراره وتطوره وازدهاره تحت قيادتنا الرشيدة، وحكومتنا السديدة.
** **
- أ. د. أحمد بن عمر آل عقيل الزيلعي