في الثاني والعشرين من فبراير من كل عام، يبعث التاريخ حكايةً كتبت بمداد الشجاعة والبطولة والإيمان، وسُجلت على صفحات المجد بحروف من نور. حكاية يوم التأسيس، وهو يوم ليس مجرد ذكرى عابرة، بل هو ميلاد أمةٍ من رحم الإرادة، أُسست على صخور من الصبر، والعدل، والوحدة. في عام 1727م، أشعل الإمام محمد بن سعود شرارة الحلم، وأرسى دعائم الدولة السعودية الأولى التي حملت الأمن في قلبها، وحملت الوحدة في رايتها، لتصبح أرضًا يزدهر فيها الاستقرار وتنبت فيها نهضة عظيمة.
قبل هذا اليوم، كانت الجزيرة العربية ساحةً للفوضى، تتنازعها الفرقة، ويعصف بها التشرذم، لكن الإمام محمد بن سعود حمل في قلبه يقينًا مختلفًا؛ أن الوحدة ليست مجرد حلم، بل ضرورة حتمية. وحّد القبائل، وأرسى دعائم العدل، وأمن الطرقات، فازدهرت الحياة، وتبدلت الأرض من مسرح للفرقة إلى وطن يسكنه الأمل. لم يكن الأمن عنده غيابًا للخوف فحسب، بل كان الأرض التي تُبنى عليها أحلام الأجيال القادمة.
توالت السنون، وجاء الإمام تركي بن عبدالله ليعيد بعث الدولة السعودية الثانية بعد أن مرت بأوقات عصيبة. لكن هذه الدولة لم تكن سوى صاعقة تلتهم الغيوم، فأضاءت سماء الأمل مجددًا.
ثم جاء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، فارس التوحيد، وصانع المجد، ومهندس المستقبل، فدخل الرياض عام 1902م، لا ليستعيد حكمًا فقط، بل ليبعث أمةً من رماد الفرقة، ويوحّد شتات الأرض تحت راية واحدة. لم يكن سيفه وحده سلاحه، بل كان إيمانه بأن الأمن هو تاج الدول، وأولى أولوياتها، والوحدة هي درعها، والاستقرار هو مفتاح نهضتها، وهكذا، في عام 1932م، وُلدت المملكة العربية السعودية، دولةً تحمل على رايتها المجد، وفي قلبها الإيمان، وفي أفقها المستقبل.
استمر الأمن في نسيج المملكة، ليصبح هو شريان الحياة لها. في عهد الملك سعود، تم بناء المؤسسات الأمنية، وفي عهد الملك فيصل، أصبحت المملكة محميةً بأعلى درجات الاستقرار السياسي، ثم جاء الملك خالد ليزيد في زخم التنمية الاقتصادية. الملك فهد استكمل الطريق وأطلق الإصلاحات التي جعلت من المملكة نموذجًا للحداثة والاستقرار في قلب المنطقة. أما الملك عبدالله، فكان مشعلًا للتغيير، حيث أطلق مسيرة تحديثية جعلت المملكة مثالاً يحتذى في التحولات الاقتصادية والاجتماعية.
واليوم، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، -حفظهما الله-، تُستكمل مسيرة البناء. المملكة تعيش حقبة جديدة من الإنجازات، تبدأ من رؤية السعودية 2030 التي أضاءت طريق المستقبل، مرورًا بمشروعات عملاقة مثل نيوم والدرعية، التي تُظهر أن المملكة لا تكتفي بالماضي بل تبني غدًا مشرقًا. لم يكن هذا التحول ليحدث إلا بفضل أسسٍ قوية من الأمن والاستقرار، إذ تشكل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية درعًا يحمي البلاد من أي تهديد. أما شباب المملكة، فقد أصبحوا وقودًا لطموحاتٍ لا تعرف الحدود.
يوم التأسيس هو أكثر من مجرد ذكرى، إنه درسٌ في الصمود والقدرة على بناء الأوطان. هو شهادة على أن المجد لا يُمنح، بل يُصنع بالعزم والإرادة، وأن الأمن ليس هبة بل جهدٌ مستمرٌ يتطلب التضحيات. ومنذ الإمام محمد بن سعود حتى هذا العهد المشرق، كانت المملكة دائمًا في طليعة الأمم، تصنع التاريخ، تصون أمنها وتبني مستقبلها، لتُضيء درب الأجيال القادمة.
حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وحفظ مملكتنا، وجعلها دائمًا درعًا منيعًا وصوتًا للسلام، تصنع المستقبل وتضيء درب الأجيال القادمة.
** **
- د. عبدالإله بن عبدالله العريني