في زوايا التاريخ، تتجلى صفحات مجدٍ خُطّت بمداد العزيمة والإيمان، سطّر فيها الأجداد ملحمة التأسيس، فأقاموا دولةً فتية، لم تكن مجرد كيان سياسي، بل كانت روحًا تسري في أبناء هذه الأرض، وعهداً يُجدده كل جيل. في 22 فبراير عام 1727، نهض الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - ليجمع الشتات، ويوحد القبائل تحت راية واحدة، واضعًا اللبنات الأولى لدولةٍ قوامها العدل والاستقرار، ومستشرفًا مستقبلاً تشرق شمسه على أرض الجزيرة العربية.
لكن المسيرة لم تكن سهلة، فقد واجهت الدولة تحدياتٍ عظيمة، فلم يهن عزم الأبطال، ولم تفتر سواعد الرجال، فجاء الإمام تركي بن عبدالله - رحمه الله - يعيد بناء الدولة السعودية الثانية، متحملًا في سبيل ذلك المشاق والتضحيات، حتى استعاد مجد الآباء وأعاد الأمان إلى ربوع الوطن. وما لبثت الأيام أن شهدت صفحةً جديدة من البطولة، حين أشرقت رؤية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - الذي أطلق ملحمة التوحيد، فأعاد لمّ الشمل، ووحّد الجزيرة تحت راية التوحيد، وأسس المملكة العربية السعودية، فكانت نقطة تحولٍ غيرت مجرى التاريخ.
سار الملوك من بعده على دربه، فلم يكن الحكم في المملكة مجرد ولاية، بل أمانة في أعناقهم، فبذلوا الغالي والنفيس لأجل رفعة الوطن وإسعاد مواطنيه. امتدت أياديهم بالخير، فشهدت البلاد نهضةً عمرانية، واقتصادية، وتعليمية جعلتها منارةً في المنطقة، ومضوا في دروب المجد، يرعون الحرمين الشريفين، وينصرون قضايا الأمة، ويحفظون الأمن في ربوع الوطن، ليبقى اسم المملكة عاليًا بين الأمم. واليوم، في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - تشهد المملكة نهضة غير مسبوقة، تستلهم من الماضي شموخه، وتصنع للمستقبل مجده.
لم تكن رؤية 2030 مجرد خطة تنموية، بل كانت بوابة عبورٍ نحو الغد، حيث تحولت المملكة إلى مركزٍ عالمي في مختلف المجالات، تقود الاقتصاد، وتطور الصناعة، وتبتكر في التقنية، وتحتضن أكبر المشاريع، لتخطو بثبات نحو مكانتها التي تستحقها بين الدول العظمى.
لم يقتصر الإنجاز على الاقتصاد والعمران، بل امتد ليشمل رفاهية المواطن، الذي كان وسيظل محور الاهتمام. تحققت القفزات في الإسكان، وتيسرت سبل العيش، وازدانت المدن بالمشاريع العملاقة، لتكون المملكة وطنًا يفخر به أبناؤه، وينعم فيه الجميع بالأمان والرخاء. في يوم التأسيس، ونحن نستذكر رحلة البطولة والتضحيات، نرفع الأكفّ بالدعاء بأن يحفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وأن يمدهما بالعون والتوفيق، ليواصلا مسيرة البناء والعطاء، وأن يحفظ بلادنا العزيزة، ويديم عليها الأمن والأمان والرخاء.
** **
- د. فهد بن إبراهيم العمار