بعض الأيام تُخلّد نفسها في ذاكرة الأوطان، تمامًا كما تفعل الجذور العميقة في أرضها، تمسك بالتاريخ حتى لا يضيع، وتُورّث الأجيال سرّ البقاء.
في 22 فبراير من كل عام، نقف إجلالًا ليومٍ يُعيد إلينا ذاكرة الأمجاد، يوم التأسيس الذي انطلقت فيه شرارة الحلم السعودي الأول عام 1727م، على يد الإمام محمد بن سعود رحمه الله. هذا اليوم ليس مجرد محطة في سجل الأيام، بل هو نبض التاريخ، وإرثٌ راسخٌ يمتد لأكثر من ثلاثة قرون، وُلدت فيه دولةٌ قامت على الوحدة، والأمن، والاستقرار، ووضعت الأساس لمستقبل لا يعرف سوى العزة والرفعة.
حين نحتفل بيوم التأسيس، فإننا لا نحتفي بيومٍ عابر، بل نعود بالذاكرة إلى لحظة مفصلية في تاريخ الجزيرة العربية، اجتمعت القبائل تحت راية واحدة، لتبدأ مسيرة بناء دولة ذات كيان مستقل، ودعائم متينة من العدل، والحكم الرشيد، والشريعة الإسلامية. من الدرعية انطلق الحلم، ومنها بزغ فجر دولة استطاعت أن تجمع الشتات، وتحوّل الفوضى إلى نظام، والخوف إلى أمن.
لم تكن رحلة بناء الدولة السعودية الأولى والثانية سهلة، مرت بتحديات عظيمة، لكن التاريخ كان يعدّ رجلاً استثنائيًا ليُعيد المجد ويصنع التاريخ من جديد. جاء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، رجلٌ لا يعرف المستحيل، فاستعاد الرياض عام 1902م، ومنها بدأ ملحمة التوحيد الكبرى، التي وحّدت القلوب قبل أن توحّد الأرض. وفي 23 سبتمبر 1932م، أعلن ميلاد المملكة العربية السعودية، دولة حديثة قوية، أرسى فيها الأمن، ووحّد أركانها بحكمة وحنكة جعلت منها صرحًا شامخًا بين الدول.
كان يوم التأسيس هو البداية الحقيقية لمسيرة نهضةٍ كبرى قادها الملك عبدالعزيز وأبناؤه الملوك من بعده. لم يكتفوا بالحفاظ على ما بُني، بل حملوا لواءها وساروا بها نحو آفاق جديدة من التنمية والتقدم والازدهار في الاقتصاد، والتعليم، والبنية التحتية. خلال العقود الماضية، تحولت المملكة إلى قوة اقتصادية وسياسية رائدة، تُسابق الزمن لتكون في مصاف الدول الكبرى.
واليوم، ونحن في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله، نعيش مرحلة تاريخية جديدة، أشرقت فيها رؤية 2030 كنقطة تحول نحو مكانة أكثر ازدهارًا، وخارطة طريق لبناء مستقبلٍ أفضل للأجيال القادمة. لم يعد الحلم مقتصرًا على الحفاظ على الإرث، بل أصبح بناء المستقبل جزءًا من رسالتنا. المملكة اليوم تخطو بثقة نحو اقتصاد متنوع، وتنمية مستدامة، وبيئة محفزة للابتكار، تُعيد صياغة دورها على الخارطة العالمية.
اقتصادٌ متجدد، مشاريع عملاقة، مدنٌ ذكية، تمكينٌ للشباب والمرأة، نهضةٌ ثقافية، انفتاحٌ على العالم، وتحديثٌ مستمر للبنية التحتية، كلها شواهد على أن المملكة لا تكتفي بحمل راية التاريخ، بل تصنع المستقبل بيديها.
يوم التأسيس ليس مجرد احتفاء بتاريخ، بل هو درسٌ عميق في العزيمة، ورسالة بأننا أبناء أمجاد لا تنحني، وورثة إرث لا يُمحى. هو يوم نستحضر فيه تضحيات الأجداد، لنستلهم منهم القوة لمواصلة المسيرة. وكما وضع الإمام محمد بن سعود لبنة التأسيس، والملك عبدالعزيز أساس الوحدة، فإننا اليوم، تحت راية قيادتنا الحكيمة، نمضي نحو فجر جديد، لا حدود للطموح، ولا سقف للأحلام، والمملكة تظل دائمًا شامخة، عزيزة، ماضية نحو مستقبلها المشرق.
** **
- هزاع عايش أبالروس