في يوم التأسيس السعودي لا نحتفي فقط بتاريخ الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ/ 1727م، بل نعيد اكتشاف إرثنا الثقافي وحِرفنا التقليدية التي شكلت جزءً من هويتنا، ففي زمن تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ/ 1727م، على يد الإمام محمد بن سعود، كانت الحرف اليدوية عنصرًا أساسيًا في الحياة اليومية، حيث أعتمد السكان على مهاراتهم اليدوية لصناعة الأدوات التي يحتاجونها، كانت الصناعات التقليدية اليدوية تعتمد في المقام الأول على مهارة يد الصانع وقوتها وإذ لم تكن لديه إمكانات الصناعة الحديثة.
نجد الفخار والحجارة والأخشاب يكثر إنتاجها في المناطق الغربية والجنوبية المملكة، أما أعمال الخوص والخصف من فتكثر في مناطق الواحات في المنطقة الوسطى والشرقية، أما غزل الأصواف ونسجها ففي مناطق الرعي كالشمالية ويكثر إنتاج الجلود والاعتماد عليها في مناطق البدو الرحل.
المصنوعات الخشبية:
من الصناعات التقليدية صناعات متنوعة تقوم على مواد مأخوذة من الأشجار البرية والمستزرعة، مثل اشجار الإبرة والأثل والبان والسدر والسمر والشوحط والطلح وغيرها الكثير، ويستخدم أدوات محددة لصناعة قرابة 35 أداة من بينها، البكرة، والخيط و الدادي والسكين و الشاكوش و الشرع والصعده والغُراب والفاره والفاس والفحمه والفرجار والفرشاة والقدّوم والقمطة والكزل والكماشة والمبرد والمثقاب و المخراق والمخصره والمسحل و المسمار، وغيرها.
ولا يقتصر الأمر على ذلك وحسب، بل إن هناك طرقا وأساليب محددة لزخرفة كل أداة، مثلًا استخدام طريقة الحفر، وهناك عدة أنواع: كالحفر العميق أو الحفر البارز أو الحفر المائل والمشطوف وتتعدد أنواعه، والأسلوب الآخر أسلوب التصفيح: وهو تغطية أجزاء الأدوات الخشبية بصفائح نحاسية لغرض وظيفي وجمالي. وأقرب مثال على ذلك، المباخر، فنجد الصانع للمباخر يغطي باطن التجويف الذي يوضع في الجمر بصفيحة معدنية، حتى لا يحرق الجمر أرضية المبخرة.
وبجانب الزخرفة يوجد عدة أشكال من وحدات الزخرفة، منها الدائرة والمستطيل والزرد أو التنجيم، وهنا أعرض الأشكال الزخرفية على نقاط:
* الوحدات الزخرفية الدائرية:
يوجد قرابة تسع عشرة وحدة زخرفية تستخدم على المباخر، ولها أسماء محددة ووصف مخصص، مثل عليها:
«أبو شراز بأربع عيون: تتألف من ثلاثة عناصر بسيطة، وهي: الدائرة، وشكل زهرة أو نجمة رباعية وبتلات أو زوايا، بحيث تلامس رؤوسها مماس الدائرة في الداخل ثم دائرة صغيرة ترسم في منتصف الفراغ بين البتلات أو الزوايا، وفي الشكل المرفق رقم (1) يشير إلى أبو شراز بأربع عيون.
وحدات زخرفية منفذة على الخشب، موسوعة الثقافة التقليدية للمملكة السعودية المجلد الثالث الحرف والصناعات.
* الوحدات الزخرفية المستطيلة:
هي تشتمل على 10 نقشات تقريبًا ولعل من أبرز تلك النقشات هي كما بالشكل المرفق رقم(4) وهي نقش مثلوث داخله نقش: وتتكون من هذه الوحدة الهندسية من خطين متوازيين، وبينهما فراغ نفذت به الزخرفة المنكسرة التي تعرف باسم أسنان المنشار، وقد نفذ بداخل كل انكسار شكل مثلث حاد الزوايا، مقلم من الداخل بخطوط مستقيمة نوعًا ما.
* الزرد أو التنجيم:
ينفذ هذا النوع من الزخرفة بالمسامير المقببة على أشكال مختلفة، منها المستقيم الذي يسمى صرع المستطيل، والمربع، والوردة، والمثلث، والمعين، والمعين الذي تتوسطه دائرة، والمثلث المنفذ فوقه مربع، والمثلثان المتعاكسان.
الحرف اليدوية بين التقاليد والابتكار:
تُعد الحرف اليدوية جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية لأي مجتمع، فهي تعكس تاريخه، بيئته، وأسلوب حياته. وفي المملكة العربية السعودية، لعبت الحرف اليدوية دورًا محوريًا في بناء الدولة منذ تأسيسها الأول عام 1727م على يد الإمام محمد بن سعود، إلى رحلة تسجليها في اليونسكو فتُعد المملكة رائدة في الحفاظ على الحرف اليدوية، حيث تم إدراج حرفتين ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لـ»اليونسكو»، وهي حياكة السدو، وفن القط العسيري.
يأتي يوم التأسيس السعودي، الذي نحتفي فيه بيوم التأسيس السعودي في 22 فبراير من كل عام، نجد أن هذه المناسبة تمثل فرصة ذهبية لإستحضار التراث الحِرفي، وإبراز كيف تطور ليواكب العصر دون أن يفقد أصالته، ومن الطبيعي واجهت الحرف اليدوية تحديات الحداثة، لكن بدلاً من أن تندثر! وجدت طريقها إلى التطور من خلال الابتكار..
فاليوم، نشهد إعادة إحياء لهذه الحرف بلمسات معاصرة تلائم احتياجات العصر الحديث، مثل:
* السدو والنسيج: شاهدناها تدخل ضمن الأزياء والتصاميم الحديثة للمرأة في العبايات والفساتين، ولرجل مثل السديري (صدرية رجالية) فوق الثوب، والفروة بتطريز السدو عليهما.
* السيوف: تحولت إلى قطع تراثية تُقتنى كهدايا فاخرة تعكس الأصالة السعودية، وترمز للقوة، توضع في المجالس والصالات الكبيرة.
* منتجات النباتات العطرية: مثل عطر الورد الطائفي، الذي نجده في عصرنا الحالي أهم مكونات العطور التي تستخدم ويضيف رائجة زكية.
* المجوهرات: وتتضمن السباح لرجال، والقلادات للمرأة بإستخدام اللؤلؤ أو الفضة.
* «الخوصيات: فهي الاعتماد الأول آنذاك في الاستخدامات اليومية، تطورت من أدوات منزلية إلى قطع فنية تُستخدم في الفعاليات التراثية والمناسبات الوطنية، وتزين المجالس بها كتحف فنية.
ختامًا في هذا اليوم، لا نكتفي بتذكر ما كان، بل نضيء شعلة الإبداع في دروب المستقبل، حيث يلتقي التراث بالحاضر في سيمفونية من الأصالة والتجديد، فمن المباخر المزخرفة، إلى السدو المطرّز، ومن العطور الزكية، إلى السيوف التي لا تزال ترمز للقوة والكرامة، يظل هذا الإرث شامخًا، يتجدد مع كل جيل، كأنه نهر لا ينضب، يغذي روح الوطن بحكاياته التي لا تنتهي.
الكتب والمراجع المطبوعة:
1 - .الموسوعة الوطنية للحرف والصناعات التقليدية في المملكة العربية السعودية - هيئة التراث السعودي.
2 - الحرف والصناعات التقليدية في المملكة العربية السعودية - مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
المصادر الإلكترونية:
1 - وزارة الثقافة السعودية - https://www.moc.gov.sa
2 - هيئة التراث السعودية - https://heritage.moc.gov.sa
3 - دارة الملك عبدالعزيز - https://www.darah.org.sa
4 - رؤية السعودية 2030 - برامج دعم الحرف اليدوية - https://www.vision2030.gov.sa
** **
- عفاف بنت صياح الشمري