يعود تأسيس مدينة الدرعية إلى العام 850هـ/ (1446م) على يد الأمير مانع المريدي - الجد الثاني عشر للملك عبدالعزيز - كمركز حضري يتألف من نسبة كبيرة من السكان ومكتفية ذاتيًا من الناحية الاقتصادية؛ لوقوعها على مفترق طرق تجارية ولكونها منطقة زراعية، نظرًا لوقوعها على وادي حنيفة، فتكثر فيها المزارع التي يفيض إنتاجها عن حاجة سكانها فيقومون بتصديرها للمدن الأخرى في منطقة نجد مثل العيينة وحريملاء وغيرهما، وتولى مانع المريدي وأبناؤه وأحفاده من بعده حكم «الدرعية» وتوفير أسباب الحماية وممارسة التجارة والسيطرة على الطرق التجارية لتأمين أسباب العيش لسكانها.
ولدولة المدينة تاريخ عريق في الجزيرة العربية، حيث كانت يثرب في بداية هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليها مثالاً واضحًا لدولة المدينة.
وبعد الإسلام وفي عصر الخلفاء الراشدين، وبني أمية، وبني العباس، وهي دول كبيرة. شهد القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، وما تلاه تهميشًا كاملاً للعنصر العربي، وسيطرة أعراق غير عربية على الحكم الفعلي، وكانت أغلب أجزاء الجزيرة العربية مهمشة بشكل كبير والبعض الآخر مهمش تمامًا منذ انتقال العاصمة العربية - الإسلامية من المدينة المنورة إلى الكوفة، ومن ثم إلى دمشق وعودتها إلى العراق مرة أخرى حتى انهارت الدولة على يد القائد المغولي هولاكو، فتقسمت الإمبراطورية الإسلامية إلى ممالك متعددة.
وكان حلم بناء دولة عربية في جزيرة العرب يراود بعض العقلاء، وذلك لما اعترى هذه المنطقة الجغرافية من الإهمال خلال قرون عديدة، ولسيطرة أعراق أخرى؛ أبرزها الفارسي، والتركي على مقدرات وخيرات الأرض العربية، والشعوب العربية.
وعند دراسة ظاهرة مدينة الدرعية التي أسسها مانع المريدي منتصف القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، وما نتج بعد ذلك، يتبين لنا من معطيات عدة أنه أسس الدرعية لتكون المدينة الدولة، القابلة للتوسع مع الأيام. ونستشف من مواقف أمراء الدرعية منذ الأمير مانع أن هناك دستورًا عائليًا للحكم ركز على فكرة الدولة، وعلى العنصر العربي، وهذا ما جعل هذه المدينة لا تقوم على عصبية قبلية، وإنما على أساس دولة عربية. وعلى الرغم من قلة المؤرخين في منطقة نجد إلا أن أحدهم وهو المؤرخ راشد بن علي بن جريس، الذي عاش في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي (ت 1298هـ/ 1880م تقريبًا)، قال كلامًا مؤداه أن فكرة إنشاء دولة عربية في جزيرة العرب واضحة للأمير مانع المريدي، ولابنه ربيعة، وحفيده موسى بن ربيعة، وابن الحفيد إبراهيم بن موسى بن ربيعة الذي كان يسمى بأمير نجد، وغيرهم. ويذكر أنهم أمراء مستقلون، أي لا يتبعون لأحد، وأن في تفكير الأمير موسى بن ربيعة الاستقلال بجزيرة العرب، وفي تفكير والده، وجده، ووالد جده مانع، الاستقلال بمنطقة نجد، وشرق الجزيرة العربية التي جاء منها الأمير مانع لتأسيس دولته في نجد بالمنطقة التي كان يسكنها أجداده من قبيلة بني حنيفة. ومن المعطيات الأخرى على أن الدرعية أسست لتكون المدينة الدولة ما يلي:
- حين نتأمل في الموقع الجغرافي لمدينة الدرعية يتضح لنا أنه موقع إستراتيجي لعاصمة دولة كبرى. فمن أبرز المقومات لذلك وقوعها على واحد من أهم الأودية في نجد وهو وادي حنيفة، عدا أنها تقع على أحد أهم الطرق التجارية القديمة، ذلك الطريق الذي تعد الدرعية في قلبه، والذي يأتي من جنوب شبه الجزيرة العربية مرورًا بنجران ثم يتجه شمالاً إلى اليمامة ثم الدرعية، حيث يتجه إلى الشمال نحو دومة الجندل وإلى الشرق نحو العراق وإلى الغرب نحو الحجاز. ويعد هذا الطريق هو طريق الحاج القادم من فارس والعراق ووسط آسيا، الذين كانوا يواصلون سيرهم عبر الدرعية إلى مكة المكرمة. وازدادت أهمية هذا الطريق بعد قيام إمارة الدرعية على يد مانع المريدي الذي سعى وأبناؤه وأحفاده إلى تأمينه وخدمته. وبتأسيس الإمام محمد بن سعود للدولة السعودية الأولى أصبح هذا الطريق من أبرز الطرق التي تمر بها قوافل التجارة والحج، نتيجة لسياسة الإمام محمد بن سعود بتأمين هذا الطريق والارتباط بعلاقات مع القبائل التي يمر من خلال مناطقها، والاتفاق معها على ضبط الأمن وتقديم الخدمة اللازمة للمستفيدين منه.
- كان السائد في بلدات المنطقة أن تكون البلدة في بداية التأسيس خاصة بأسرة واحدة، وبعد مرور عقود من السنين تسمح هذه الأسرة الأفراد أو عوائل محددة، وبناء على اتفاق بينهم، بالانتقال إلى بلدتهم. وهذا ما لا نلاحظه في الدرعية، فمنذ نشأتها وهي موئل للعرب الآخرين، ولذلك هاجر إليها عالم من اليمن، وأقام فيها أو زارها الكثيرون من مناطق مختلفة من جزيرة العرب.
- كان مانع وأولاده الأمراء من بعده حريصين على حماية القوافل عامة، وقوافل الحج خاصة، وعقدوا المعاهدات مع القبائل وأمراء المدن الآخرين في منطقة نجد، وصارت لهم شهرة كبيرة في ذلك، كما كان نظام التجارة في الدرعية أكثر انفتاحًا على الآخرين وأكثر منافسة.
والمتابع لدولة المدينة «الدرعية» يلاحظ أنها تتوسع وتضيق بحسب الاستقرار السياسي فيها، وهذه الأمور والدروس والتجارب المتراكمة الطويلة فهمها الأمير الإمام محمد بن سعود، والذي - بفضل الله ثم بفضل عبقريته - انتقلت (دولة المدينة في الدرعية) إلى مرحلة الدولة، والتي تعارف المؤرخون على تسميتها بـ(الدولة السعودية الأولى). وكانت الدولة السعودية منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا دولة عربية صافية بحكامها وشعبها، إذ لم تطأها يد أجنبية معتدية إلا ودحرتها.
مهد الحضارة
وإذا كانت الدرعية هي اللبنة الأولى للمملكة العربية السعودية وجوهرتها، فإن جذورها العميقة تمتد إلى القرن الخامس عشر الميلادي حين نشأت الدرعية في أكثر الأماكن إستراتيجية بمحاذاة وادي حنيفة الذي أمدها بالمياه، وارتبطت بالأسرة السعودية المالكة آل سعود مما هيأ لها الصعود لتكون مركزًا للاستقرار والثقافة والعلم.
كان ازدهار الدرعية أول خطوة لتأسيس الدولة السعودية الأولى، فأصبحت الدرعية عاصمتها في القرن الثامن عشر الميلادي 1139هـ (1727م) لتملأ صفحات التاريخ بمجدٍ عريق.
وفي وقتنا الحاضر، يروي كل بناء ودرب في الدرعية قصة صمود وتطلعات شعبٍ عظيم يقف شامخًا كرمز لهويته وقيمه. لم تعد الدرعية اليوم موقعًا جغرافيًا وحسب، بل حكاية ثرية لإرثٍ ما زال ينبض بالحياة.
بوابة الدرعية
تعد الآن بوابة الدرعية القوة الرؤيوية التي تقود تحول الدرعية لكي تصبح الوجهة الأولى عالميًا من خلال تقديم تجربة نجدية غامرة، والحفاظ على تراثها الثقافي الغني، وبما يتماشى مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
وستعمل الهيئة على تحويل الدرعية إلى واحدة من أعظم الوجهات العالمية، ومكانًا لتجمع العالم بأسره، لتستمر الدرعية مصدر فخرٍ، ومنارة اعتزاز أبناء الوطن!
إبداع وتفان
وقد حصلت هيئة تطوير بوابة الدرعية على جوائز لالتزامها بالشمولية، وتنوع القوى العاملة، والمشاريع المجتمعية المؤثرة، مما يعكس التفاني في الابتكار والاستدامة.
وبالإضافة إلى تقديم الدرعية كوجهة رئيسية للتراث والثقافة فإن العمل يتواصل في الحفاظ على حماية المواقع التاريخية والثقافة والتقاليد، وضمان أن يتم الحفاظ على تاريخ وتراث الدرعية الغني والاحتفاء به للأجيال القادمة، وتعزيز الارتباط العميق بجذورنا من خلال الالتزام بإدارة وتخطيط مساحة 194كم2 من الدرعية بأعلى مستوى من التميز، لضمان تطوير حضري مستدام وإدارة مسؤولة للأراضي لدعم نمو وازدهار المجتمع.
فعاليات
منذ تدشين أعمال بوابة الدرعية عام 2017م فقد استضافت الهيئة العديد من الفعاليات من الثقافية والرياضية التي بدأت باستضافة السباق الأول للفورمولا إي وبطولة الفروسية.
وفي عام 2019 استضافت بطولة العالم للملاكمة من خلال مباراة بطولة العالم للوزن الثقيل في الدرعية.
وفي عام 2020 استضافت الدرعية قمة مجموعة العشرين في الطريف، واحتفلت بافتتاح الطريف، وتم الانتقال إلى مكاتب هيئة تطوير بوابة الدرعية.
وفي عام 2021 استضافت الدرعية نور الرياض في الطريف وأطلقت مبادرة راوي الدرعية.
كما استضافت الدرعية في 2022 أول اجتماع لمجلس السفر والسياحة العالمي (WTTC) في الشرق الأوسط، واحتفلت بافتتاح البجيري، واستضاف الطريف فعاليات كأس العالم للفيفا، وتم تنفيذ مشاريع في وادي صفار مثل ملعب الجولف، ومركز التجربة، ومشتل الأشجار.
وفي عام 2023 استضافت قمة التراث العالمي، وأطلقت السوق الموسمي في الدرعية، واحتفلت بافتتاح بيت العرضة، بالإضافة إلى ذلك، شهدت الدرعية فعالية للفنون والأزياء وأطلقت أول مساكن تحمل علامة تجارية في المملكة، وهي ريزيدنسنر ريتز كارلتون.
وفي عام 2024 احتفلت الدرعية بافتتاح فندق باب سمحان وبرنامج التدريب المرتبط به، وأعلن عن إعادة إطلاق ميدان الدرعية، وأقيم موسم الدرعية 2024 إلى جانب مبادرة مستقبل فنون الدرعية.