عوض مانع القحطاني - «الجزيرة»:
بذلت المملكة وما زالت تبذل منذ توحيدها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله- وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين- الغالي والنفيس لخدمة الحرمين الشريفين وإثراء تجربتهما الدينية الوسطية وتهيئة الاجواء التعبدية لهما والارتقاء بالخدمات الدينية المقدمة لهم، ترسيخاً لمكانة المملكة الإسلامية، فضلا عن إبراز رسالة الحرمين الشريفين، واستثمار مكانتهما في نفوس المسلمين؛ لخدمة رسالة المملكة، ونشر تعاليم الشريعة السمحة المتسمة بالوسطية والاعتدال.. وتعد مكة المكرمة والمدينة المنورة بقعتان مباركتان فيهما أعظم وأشرف مسجدين المسجد الحرام وفيه الكعبة المشرفة التي يتجه إليها المسلمون في صلواتهم خمس مرات في اليوم والليلة والمسجد النبوي الشريف وفيه الروضة الشريفة وقبر الرسول عليه الصلاة والسلام.
ولقد ارتقت خدمة الحرمين الشريفين إلى آفاق جديدة، وبلغت شأناً غير مسبوقٍ في العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان.
حيث تنحو المملكة في العهد الزاهر إلى اتباع أحدث النظريات العلمية، والتنظيمية، والإدارية، لتطوير المجال العام، وتجويد الخدمات، ولا تألو جهداً في تطبيق الأساليب العلمية الحديثة، بما يخدم تحسين المخرجات، ورفع كفاءة الأداء، وبوصف خدمة الحرمين، هي الواجب الأسمى لدى قيادة البلاد، فإنها ستكون الأولى بطبيعة الحال في الاستفادة من النظم الجديدة، وكل ما يستجد في إطار العلم، سواء كان ذلك في عالم التكنولوجيا والاكتشافات، أو في سياق النظم الإدارية، والتنظيمية، ولذا فإن الحرمين الشريفين، رغم ما حظيا به من اهتمام ورعاية عبر عقود الدولة السعودية، إلا أنهما مقبلان على مرحلة غير مسبوقة من الاهتمام والرعاية، والتطوير الذي لا تحده حدود في عهد خادم الحرمين وولي عهده الأمين.
وعندما قرر مجلس الوزراء قبل أكثر من عام انشاء جهاز مستقل بمسمى رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي؛ فان هذا القرار الحكيم كان يهدف لإثراء التجربة الدينية للحرمين الشريفين وتجويدها، بما يساهم في تكامل منظومة الخدمات الرقمية الدينية، واستثمار التقانة والذكاء الاصطناعي، والتطبيقات الذكية والإعلام الرقمي، ومواقع التواصل الاجتماعي، وتفعيل المبادرات النوعية؛ الشرعية والعلمية، والدعوية والتوعوية، والتوجيهية، والإرشادية؛ لإيصال رسالة الحرمين الدينية عالميًا. والعناية بالوعي الديني وترسيخ الفكر الوسطي في النفوس والعناية به، بما يحقق المنهج الوسطي الصحيح وينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين والتمكين لهذا المنهج في المجتمعات المسلمين تعميق صلة قاصدي الحرمين من عموم المسلمين بالحرمين.
ووضعت رئاسة الشؤون الدينية وهي تحتفل اليوم باليوم الوطني؛ ضمن خطتها الاستراتيجية المستقبلية؛ تعظيم البرامج الدينية النوعية الرقمية في اولوياتها، والتي اسهمت بشكل فعَّال من رفع مستوى الوعي الديني لقاصدي الحرمين، ونقل الصورة المشرقة الوضيئة عن المملكة العربية السعودية، وما تقدِّم من خِدمات جليلة في عمارة الحرمين الشريفين دينيًا وعلميًا، وتهيئتهما إيمانيًا وروحانيًا.
وفي هذا الصدد قال معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي؛ الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس في تصريح لـ(الجزيرة) بمناسبة اليوم الوطني للمملكة: إن هذا اليوم الغالي فرصة لنخبر الأجيال بما قدمت المملكة للدين والوطن. واضاف أن حب الوطن من الدين، ومن رسالته السمحة الوسطية المعتدلة، والانتماء الوطني إحساس بالمسؤولية، وقيام بالواجبات، وليس مجرد عواطف أو شعارات.
وأكد إن المواطنة الحقة شراكة بين أبناء الوطن في الحياة والمصير والتحديات، وفي المقدرات والمكتسبات والمنجزات، وفي الحقوق والواجبات، ورسم الخطط، والاستثمارات الحضارية.
وأضاف « نشكر الله -عز وجل- ونحمده على ما أنعم به علينا من نعم عظيمة وفيرة، تحت قيادة رشيدة سخّرت طاقاتها في سبيل أن ينعم سكان المملكة من مواطنين ومقيمين بالأمن والأمان والرخاء؛ لما خص الله هذه البلاد المباركة؛ بخصائص امتازت بها عن كافة البلدان حول العالم؛ ففيها الحرمان الشريفان مهبط الوحي، ومقصد أفئدة المسلمين.
وقال: إن بلادنا الغالية -حباها الله- بمقومات تميّزها عن غيرها من دول العالم، إذ منَّ الله عليها بالإسلام وخدمة الحرمين الشريفين؛ حيث اصطفى الله -عز وجل- لها من الرجال العظماء، الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ذو الشخصية الفذة.
وأضاف الشيخ السديس: قلّ أن يشهد التأريخ المعاصر مثيلاً للاستقرار الذي تعيشه بلادنا المباركة، في عالم يموج بالتحولات والاضطرابات، وكثرة النوازل والمتغيرات والأزمات، مما جعلها نموذجًا يحتذى به في العالم؛ بالأمن والوحدة والاستقرار، والتوازن والاعتدال، والجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وسأل الله تعالى أن يديم على المملكة نعمة التلاحم بين القيادة والعلماء والراعي والرعية، وأن يبسط الأمن والأمان والنماء والازدهار، وأشار أن من ضمن مرتكزات رئاسة الشؤون الدينية التحول الرقمي في جميع مفاصل المنظومة الدينية، وتفعيل التطبيقات الذكية؛ مواكبة لرؤية 2030، وإيصال رسالة الحرمين الشريفين الدينية الوسطية للعالم رقميًا وبعدة لغات.
فضلًا عن الانطلاق نحو الريادة الدينية العالمية الرقمية وتقليص حاجز المكان والزمان عبر التطبيقات الرقمية؛ مستثمرة الأيقونات المعرفية الحديثة سهل الأسلوب ثرية المعلومات، بكفاءات وطنية مؤهلة، تعمل على تقديم الخدمة الدينية منطلقة من تعظيم الحرمين الشريفين، وإتقان العمل، وتبنّي الإبداع، وتحقيق الهداية وفق المنهج الوسطي المعتدل المستمد من الكتاب والسنة.
وأكد رئيس الشؤون الدينية على ضرورة استمرارية الارتباط الديني الروحي بالحرمين للمسلمين في أرجاء العالم، وجعل الحرمين الشريفين مُنبثَق تصحيح صورة الإسلام، وإيضاح أصالته وسماحته ووسطية منهجه واعتداله. وأشار إلى أن رئاسة الشؤون الدينية حريصة على تعزيز التقانة والتطبيقات الذكية تعضيد سلامة الفكر الديني الوسطية ومواجهة الانحرافات الفكرية مع تنمية الوعي الثقافي والطرح المتجدد للإثراء المعرفي الديني عبر التطبيقات الجديدة.. وتقوم المملكة لخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن والقاصدين والزائرين وتنظيم وإدارة شعيرة الحج كحق سيادي ومن أهم معالم مكانة السعودية وريادتها عالميًّا، وعنوان سيادتها دينيًّا وسياسيًّا، ولا يمكن المساس بها ولا استغلالها لبث شعارات سياسية ونعرات طائفية؛ وخدمةً الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن حجاجًا ومعتمرين منحة ربانية، وخصوصية سعودية؛ شرّف الله بها المملكة العربية السعودية، التي أخذت على عاتقها منذ تأسيسها توفير أفضل السبل والوسائل والظروف؛ لأداء مناسك الحج والعمرة بكل يسر وسهولة وأمن وأمان.. وسخرت المقدرات والإمكانيات المادية والبشرية والتقنية والأمنية كافة لتقديم أفضل الخدمات وأكثرها تطورًا وراحة لضيوف الرحمن على مدار الساعة وطوال العام، وقدمت للعالم أنموذجاً فريدًا في التنظيم والإدارة بما لا مثيل له في التاريخ قديمًا وحديثًا.
واختتم الشيخ السديس تصريحه بقوله: يجسد الحرمان الشريفان أنموذجاً فريداً لعناية المملكة بضيوف الرحمن والقاصدين وتوفير كافة الرعاية والعناية الدينية لهم، ومن هذه العناية المشروعات العملاقة التي نفذتها المملكة لتوسعة الحرمين الشريفين وتطوير كافة الخدمات بهما والتي تتناغم مع رؤية المملكة 2030.
إن خدمة حجاج بيت الله الحرام هي شرف ومسؤولية عظيمة تتوارثها الأجيال عبر العصور، في المملكة العربية السعودية بما لديها من مكانة دينية وتاريخية، أخذت على عاتقها توفير أفضل الخدمات لضيوف الرحمن.