محمد العشيوي - «الجزيرة»:
يستبشر السعوديون في اليوم الوطني السعودي، الذي يوافق الثالث والعشرين من شهر سبتمبر، بالأفراح والابتهاج بهذه المناسبة الغالية على قلوبهم، يجسدون الولاء واللحمة الوطنية التي تسكنهم تجاه وطنهم الغالي، وتنغرس بها الأعمال الوطنية التي نفخر بها، كترجمة لمشاعر الحب والولاء للقيادة الرشيدة، ليكون الفن خير معبر لثقافة الشعوب وانتمائهم للوطن.
تراث فني يعزز الولاء والانتماء
لطالما ترتبط الموسيقى بالمشاعر والعاطفة الإنسانية وتعبر عن الحالة الوجدانية، ونعبر بها عن ذكرى لا تُنسى، عشنا تفاصيلها، وخلدت بها مواقف وطنية عظيمة، تأتي الأغنية الوطنية من بين هذه المشاعر التي لا تغيب شمسها في المناسبات الوطنية، وتعد أغنية «وطني الحبيب» للراحل طلال مداح من كلمات مصطفى بليلة، واحدة من الأعمال الوطنية التي قدمها في مطلع الستينيات الميلادية، كانت من أوائل الأغاني الوطنية العاطفية التي بُثّت عبر الإذاعات السعودية في عام 1961 م، وارتبطت الأغنية بلحنها الشجي وكلماتها في المناسبات الوطنية بشكل كبير منذ أكثر من ستة عقود.
وفي عام 1975م، جاءت «بلادي منار الهدى» واحدة من الأعمال الوطنية الخالدة التي لحّنها وغناها سراج عمر، كتب كلماتها الشاعر اللبناني سعيد فياض، الذي عاش في ثراء الوطن طيلة 22 عامًا بين أروقة الأدباء والمثقفين وتعد من الأعمال الوطنية التي تعبر عن الفداء والمجد والاقتداء للوطن في واحدة من الحقب الذهبية، ثم جاءت كلمات النشيد الوطني «سارعي للمجد والعلياء» في عام 1984م والتي كتب كلماتها الشاعر السعودي الراحل إبراهيم خفاجي.
وتأتي أغنية «يا بلادي واصلي» واحدة من الأعمال الوطنية الخالدة في الوجدان، التي قدمها الراحل أبو بكر سالم في نهاية فترة السبعينيات الميلادية، تتمتع الأغنية بمكنوز غني من المكانة الراسخة للوطن الغالي، بكلماتها الأصيلة التي شكلت تفاعلاً في الحب والانتماء للوطن، قدمها أبو بكر سالم بأداء رفيع جمع فيه بين طبقة القرار وثقافة موسيقية واسعة، واحتلت الأغنية مكانة في نفوس السعوديين حيث ظلت خالدة لأكثر من أربعة عقود في الـ 23 من سبتمبر عام 2017م، كانت هذه الأغنية آخر ما قدمه الراحل برفقة نجوم الأغنية السعودية والخليجية ضمن فعاليات اليوم الوطني في جدة قبل رحيله.
ومن كلمات الأمير الراحل بدر بن عبدالمحسن مرّت الأغنية الوطنية بمراحل تطور في الألحان والنمط الموسيقي حيث شهد عام 1988 م ولادة «فوق هام السحب» واحدة من أشهر الأغاني الوطنية هذا العمل الوطني المتكامل، الذي قدمه فنان العرب محمد عبده بمناسبة افتتاح استاد الملك فهد الدولي بالعاصمة الرياض، جاء كمصدر للفرح وأيقونة للاحتفالات السعودية في كل محفل، من خلال لحنها البطولي وكلماتها الجياشة المفعمة بحب الوطن، حظيت الأغنية بانتشار شعبي واسع وكبير، يستذكر فيه السعوديون أمجادهم ومستقبلهم الزاهر، وخلقت نسيجًا من الفرح، وبتشكيل نموذج إبداعي وفرائحي يلامس الوجدان، لتصبح من الأغاني الخالدة في تاريخ الفن السعودي بموروثه وثقافته الغنية.
كما تعد أغنية «حدثينا يا روابي نجد» واحدة من أشهر الأعمال الوطنية التي تغنى بها محمد عبده في نهاية الثمانينيات، أصبحت ملازمة له حتى في محافله الفنية التي يقيمها على خشبات مسارح الفن بالمملكة، وكتب كلماتها الأمير الراحل بدر بن عبدالمحسن وارتبط فنان العرب بالأغنية الوطنية السعودية بشكل وثيق وكبير، حيث تغنى بالمئات من الأعمال الوطنية الرائعة و اتسمت التجربة الشعرية بين الأمير الراحل بدر بن عبد المحسن ومحمد عبده بالترابط الوثيق في تاريخ الأغنية السعودية، والربط بين الحداثة في الشعر والتنوع الفصيح حيث شكلت موروثًا وطنيًا كبيرًا من القصائد الوطنية، من بينها «سيوف العز»، التي منح لها لحنًا طربيًا ونغمًا وطنيًا لا مثيل له وكانت من الأعمال الرائعة، ويرجع تاريخها إلى عام 1975م، حيث أعاد غناءها بمناسبة اليوم الوطني 2017 م بحفل ضخم أقيم في جدة، وشاركه الغناء كل من عبادي الجوهر، رابح صقر، عبدالمجيد عبدالله، طلال سلامة، عبدالله الرويشد، راشد الماجد، أصيل أبوبكر، ماجد المهندس، حسين الجسمي، ووليد الشامي.
الأغنية الوطنية.. تلامس الوجدان
انغمست الأغنية الوطنية في الشمولية والتنوع في الألحان والكلمات، ونالت بقالبها العاطفي حبًا كبيرًا في الأوساط السعودية، إن هذا التنوُّع في الأغنية السعودية على مستوى النغم والأداء، هو تنوُّع أيضًا في الكلمة والنص، وهو ما شكّل جمالية الأغنية وألهب روح الحماسة والانتصارات السعودية التي نجد منها قصائد من أنواع الشعر، وكذلك نصوص غنائية كتبت كأغنيات وطنية في تعزيز أواصر الوحدة الوطنية أسهمت في تنوّع الأعمال الوطنية.
مشاركة واسعة في الأغاني الوطنية
كان للفنان راشد الماجد نصيب كبير من الأغنية الوطنية التي يتغنى بها دومًا، حيث كانت أغنية «عاش سلمان»، التي قدمها مع الفنان عبدالمجيد عبدالله في عام 2015م، واحدة من الأعمال التي حققت رواجًا كبيرًا لجمالية الكلمة واللحن من بين الأغاني الوطنية المستمرة التي يطرحها دومًا ومنها «طبع السعودي»، «يا وطنا»، «أرضنا خط أحمر»، «عاشقينك»، «أبرق البيرق»، «الزمان بخير»، «وطن للقلب»، و»شامخ»، لتوثق الأغنية الوطنية تاريخًا كبيرًا وراسخًا في الأمجاد السعودية، كانت أغنية «أنت ملك» من الأعمال التي قدمها رابح صقر واحدة من الكلمات التي سكنت الوجدان لرائعتها، لتشكل الأغنية الوطنية نموذجًا ثقافيًا وإرثًا فنيًا بكل مراحلها، ليستعيد بها السعوديون أهمية المناسبات الوطنية وألفتها.
كما تغنى الفنان علي بن محمد بأعمال وطنية استشهادًا بإنجازات عرّاب الرؤية وقائد التطوير ومهندس التغيير سمو ولي العهد - رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان (يحفظه الله) بقصيدة «غنى حمام الورق» بكلمات مؤثرة، وفي مطلعها:
غنّى حمام الورق فوق الجريدة
ينوح لكنّه مثل عذب الألحان
وطرت عليّْ اللِّي بقلبي وحيدة
كم لي سنة فيها متيَّم وهيمان
ووثق أيضًا العديد من الأعمال الوطنية، من بينها «هامة طويق»، «باني المجد»، «حمال الثقايل»، إضافة إلى أغنية «وطن عظيم» التي طرحها الشهر الماضي وتستلهم منها الفخر والعز بالأمن والرخاء.
وتستمر الحركة الفنية الوطنية بأصوات نجوم الفن في هذا العام حيث طرح راشد الماجد أغنية «جمرة أهل العوجاء»، وعمل وطني بينه وبين الفنان وليد الشامي بأغنية «راسك فوق» ولم يقتصر العمل الوطني على أصوات الفنانين السعوديين فقط، بل امتد إلى حناجر نجوم الفن العربي، إذ طرح الفنان عمر عبداللات في يوليو الماضي عملًا وطنيًا بعنوان «أنا جندي سعودي» إهداء إلى جيش المملكة العربية السعودية، وكان للفنان فؤاد عبدالواحد نصيب أيضًا عندما طرح عملاً بعنوان «استبشري يا دار» من كلمات الشاعرة نجلاء المحيا، كما قدّم أيضًا هذا العام عملاً مشتركًا مع الفنان راشد الفارس بأغنية «صفحة التاريخ» التي وثقت همة السعودي والعز والنماء الذي نعيشه في ظل القيادة الرشيدة، وحظيت الفنانة أميمة طالب بعمل وطني بعنوان «نرفع الرأس بشموخ» في فبراير بمناسبة يوم التأسيس.
وفي أغسطس الماضي، تغنى ماجد المهندس بأغنية «ديرة العز»، كما قدم خالد عبدالرحمن أغنية «طاري العز» أيضاً في فبراير بمناسبة يوم التأسيس، كما تغنى عبادي الجوهر في هذا العام بأغنية «وطني»، كما قدم الفنان رابح صقر قبل أيام أغنية (تراها) التي استذكر فيها جماليات مناطق المملكة الجغرافية، وشارك كل من ماجد المهندس وعلي بن مهندس بعمل مشترك في فبراير الماضي بعمل بعنوان «سيرة إمام»، كما كان للفنانة أحلام أعمالا وطنية سعودية قدمتها من بينها (عز وفخر)، (لا هنت يا عز السعودي)، وفي العام الماضي طرحت أغنية (المملكة)، وأصبحت لا تستغني عنها في مناسباتها الفنية.
تُجسد هذه الأعمال الوطنية المتجددة التي شهدناها هذا العام أسمى معاني الاعتزاز، حيث تعبّر عن التزام الفنانين العميق تجاه الوطن الغالي كما تعكس هذه الأعمال الفنية روح الانتماء والفخر، وتعكس بكل قوة المشاعر الوطنية النابضة التي تملأ قلوب السعوديين.
الأغاني الوطنية السعودية، سواء القديمة أو الحديثة، ليست مجرد وسيلة للتعبير عن مشاعر الفخر والانتماء فحسب؛ بل تشكل أيضًا إرثًا فنيًا وثقافيًا يتوارث للأجيال، تسهم هذه الأعمال في تعزيز الوحدة الوطنية وتوثيق المراحل التاريخية المهمة في مسيرة المملكة، إن استمرار تطور الأغنية الوطنية يعكس الحماس والفخر الكبيرين اللذين يشعر بهما السعوديون تجاه وطنهم وقيادتهم، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من الثقافة السعودية الأصيلة.