كثير من أحلام البشر وأمانيّهم تتحوّل إلى حقائق ملموسة ذات أثر بعيد فيما تحقّق لهم من أعمال عظام, ومهام جسام, ومثل ذلك ينطبق على الدول, فالدولة مجموعة من البشر يتكوّن منهم شعب له قيادة وحكومة تحلم وتحقّق أحلامها على أرض الواقع.. ومملكتنا العظيمة خير مثال على ذلك, فَكَمْ حَلَم موحِّدها وباني صرحها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل (رحمهما الله) بمملكة موحّدة تمتد على معظم تراب جزيرة العرب, ولتحقيق ذلك الحلم عمل (رحمه الله) بصبر وجد واجتهاد, وبما أوتي من شجاعة وبطولة ورجولة وكرم وحسن سياسية وتدبير وتضحية بالغالي والنفيس, وبما توافر فيه من خصال حميدة, وصفات مجيدة, وبما تحلّى به من روح القيادة الفَذّة الملهمة التي مكّنته من كسب القلوب التي أحبّته, وتفانت في خدمته حتى تحقّق له ما حَلَم به, وما مات (رحمه الله) إلا وقد تربّع على عرش مملكة عظيمة يسودها الأمن والأمان والعدل والإنصاف والطمأنينة والاستقرار.
وَكَمْ حَلَم أبناؤه الملوك من بعده بتنمية شاملة للوطن والمواطنين, ثم ما لبثت أحلامهم أن تحقّقت فيما لمسناه ونلمسه من نهضة شاملة قلّ ما يماثلها على مستوى عالمي, فتقاربت المسافات في مختلف ربوع المملكة المتباعدة بما توافر لها من وسائل نقل حديثة بريّة وبحريّة وجويّة ربطت مناطقها المتباعدة, جنبًا إلى جنب مع وسائل اتصالات أَحْدَث جعلت كل واحد منّا مهما بَعُدَت المسافة بينه وبين أهله وقريته ومدينته وكأنه يعيش معهم ساعة بساعة, وانتشر التعليم بمختلف مراحلة وتخصصاته وتفرّعاته في كل مدينة وقرية, وتحوّلت مساحات شاسعة من المملكة من صحاري جرداء إلى جنان وارفة الظل, وإلى حدائق ذات بهجة, وامتدّ الحلم بتنمية إنسان هذه البلاد ورُقِيِّهِ إلى حقائق تُمَثِّل نقلة نوعية في حياة المواطن السعودي الذي ارتقى من حياة البؤس والتنقل والترحال, وانعدام الأمن إلى أعلى درجات من التحضّر والتمدّن والاستقرار والتطوّر في عيشه ومسكنه وملبسه, ومختلف أساليب حياته. وحَلَم قادة هذه البلاد, ولا سيما في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز, وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان (حفظهما الله) بتنمية عصريّة حديثة وشاملة حُدِّدَت معالمها وأبعادها, وسائر مضامينها في رؤية مستقبلية ثاقبة هي رؤية 2030 التي تحقّقت معظم مستهدفاتها بعزيمة الرجال, والحكم الرشيد, والصرف السخيّ, والتوجيه السليم, والمتابعة المستمرة, ولما يَمْضِ عليها نصف الزمن من المدّة المحدّدة والمخطّطة لها مسبقًا.
وأخيرًا فهناك الحلم الأكبر الذي يداعب مخيلة قيادة هذا الوطن وحكومته وشعبه, ذلك الحلم المتمثّل في تنويع مصادر الدخل, وعدم الاعتماد على النفط وحده موردًا للدخل الوطني, ويوشك هذا الحلم أن يصبح حقيقة حينما تطالعنا الأرقام يومًا بعد يوم بوجود مصادر غير نفطية تسهم بشكل فعّال في الدخل الوطني للبلاد, وهي أرقام متفائلة ومبشّرة بتحقيق هذا الحلم على أرض الواقع. حفظ الله المملكة وطنًا وقيادة وشعبًا وأعزّها ونصرها وسدّدها.
***
- أ. د. أحمد بن عمر آل عقيل الزيلعي