تحتفل المملكة يوم 23 سبتمبر من كل عام، باليوم الوطني لتوحيدها وهو التاريخ الذي يعود للمرسوم الملكي الذي أصدره المغفور له بإذن الله جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل بتاريخ 17 جمادى الأولى عام 1351هـ، يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية ابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351هـ الموافق للأول من الميزان، ويقابل يوم 23 سبتمبر 1932م.
استعادة الرياض وتأسيس المملكة
أسس جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه- المملكة العربية السعوديّة عام 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م، بعد أن خاض عدة حروب ملحمية خالدة.
وبقراءة تاريخ تطور المملكة العربية السعودية حتى وصلت إلى اسمها وموقعها التاريخي، سنجد أن جمهور المؤرخين قسموا تاريخ حكم آل سعود إلى ثلاث فترات: فترة التكوين والتأسيس باسم الدولة السعودية الأولى، ثم الدولة السعودية الثانية، والدولة السعودية الثالثة عام 1932 عندما تم إعلان قيام المملكة العربية السعودية بحدودها الراهنة.
البناء والتنمية في عهد المؤسس
توجت جهود جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل وجهاده -طيب الله ثراه- بالإعلان، فتوَّج هذا الإعلان جهود الملك عبدالعزيز العظيمة الرامية إلى توحيد البلاد وتأسيس دولة راسخة تقوم على تطبيق أحكام القرآن والسنة النبوية الشريفة، وتم تحديد يوم الأول من الميزان الموافق للثالث والعشرين من شهر سبتمبر ليصبح اليوم الوطني للمملكة، وبهذا الإعلان تم تأسيس المملكة العربية السعودية التي أصبحت دولة العظيمة في رسالتها وإنجازاتها ومكانتها الإقليمية والدولية.
بدأت مراحل التأسيس والبناء في عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- منذ دخوله الرياض عام 1319هـ (1902م)، حيث تركزت على الجوانب الدينية والإدارية والعسكرية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد أسس الملك عبدالعزيز العديد من المؤسسات الإدارية منها: المجالس الإدارية، ومجلس الوكلاء، ومجلس الشورى وإدارة المقاطعات ورئاسة القضاء والمحاكم الشرعية ووزارة الخارجية ووزارة المالية ووزارة الدفاع ووزارة المواصلات ووزارة الصحة ووزارة الداخلية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، وغيرها من الوزارات والإدارات المتعددة، كما شملت عناية الملك عبدالعزيز في مجال التنظيم تطوير الخدمات المقدمة للحجاج، حيث أمر بتوسعة الحرمين الشريفين وتأسيس المديرية العامة للحج وإنشاء المحاجر الصحية والطرق ووسائل المواصلات المتعددة، وفي آخر حياته أنشأ الملك عبدالعزيز مجلس الوزراء ليكون خاتمة إنجازاته الإدارية والتنظيمية، كما أن من أبرز إنجازات الملك عبدالعزيز توطين البادية، وتأسيس الهجر الذي نتج عنه تكوين مناطق استقرار عديدة في أنحاء المملكة لعدد من القبائل التي اتجه أفرادها إلى أعمال الزراعة والتجارة وإحياء الأراضي التي استقروا بها حتى أصبحت حواضر مزدهرة، ويعد مشروع التوطين هذا من أبرز المشروعات المتعلقة بالتطور الاجتماعي في المنطقة الذي حقق نتائج عظيمة في حياة المجتمع البدوي وفي ازدهار المنطقة عمرانياً وسكانياً.
ومن ملامح التأسيس والبناء في عهد الملك عبدالعزيز غرسه مبدأ المشاركة للجميع حيث أقبل الناس على تجهيز أنفسهم للمشاركة معه في توحيد البلاد إيماناً بهدف عبدالعزيز في التوحيد ونبذ الفوضى، ومن نتائج هذه الظاهرة هذه الوحدة العظيمة بين أبناء المملكة التي شهدتها البلاد ولا تزال تشهدها إلى اليوم، ومن إنجازات الملك عبدالعزيز: عنايته بالتعليم، ونشر المعرفة من خلال تشجيع طلاب العلم، وتأسيس المدارس وإصدار الأنظمة الخاصة بها، ونشر المؤلفات وتوزيعها، وانطلاقاً من حرص الملك عبدالعزيز الشخصي على الاستزادة من مناهل العلم والمعرفة قام بتشجيع تطور التعليم ومؤسساته وإنشاء المكتبات وإتاحة الكتب للجميع، وتعد مكتبة الملك عبدالعزيز الخاصة والمحفوظة اليوم في دارة الملك عبدالعزيز بالرياض والمؤلفات التي طبعت على نفقة جلالته في أنحاء العالم العربي والإسلامي وظهور المدارس وازدهار الحركة العلمية في المنطقة من أبرز الأدلة على عناية الملك عبدالعزيز بجوانب العلم والمعرفة.
ولدعم مكانة الدولة السعودية على الساحة الدولية السياسية والاقتصادية فقد كان للملك عبدالعزيز إسهاماته المشهودة في هذا المجال رغم الظروف الصعبة التي كانت تحيط بالمنطقة بتلك الفترة خصوصاً سيطرة عدد من الدول العظمى على الكثير من المناطق بالعالم العربي، فرغم هذه الظروف تمكن الملك عبدالعزيز من انتهاج سياسة خارجية واضحة اعتمدت على مبادئ عظيمة تتصل بأهداف الدولة السعودية ومنهجها القائم على تأسيس دولة قوية تساند الدعوة وتستند إليها، ولا تفرط في حقوقها أو منطلقاتها، وتحقق مصالح الدولة السعودية والدول العربية والإسلامية، والمطلع على مواقف الملك عبدالعزيز وسياسته الخارجية يجد أن قضايا العرب والمسلمين استحوذت على حيز كبير من اهتمامه وأخذت الأولوية على احتياجاته الداخلية ومصالح دولته ويعكس هذا موقف الملك عبدالعزيز وأبنائه من بعده تجاه القضية الفلسطينية التي كانت ولا تزال تشكل محوراً أساسياً ومهماً في السياسة الخارجية السعودية، ويعد دعم الملك عبدالعزيز لتأسيس جامعة الدول العربية وتأييده لاستقلال العديد من الدولة العربية والإسلامية شاهداً على أن هذه السياسة تعد من الثوابت السعودية إلى اليوم، ومن الناحية الاقتصادية فقد شهدت المملكة العربية السعودية ظهور النفط وتطور صناعته واستخراج المعادن وازدياد حركة التجارة والعلاقات التجارية الدولية.
ولقد استفاد الملك عبدالعزيز من وسائل التقدم والتطور التي ظهرت في الدول الغربية وقام بجلبها إلى المملكة وتوظيفها في خدمة التطور الحضاري الذي أرسى قواعده بفضل سياسته الحكيمة المبنية على الأخذ بأسباب الحضارة وال تقدم ضمن معايير المبادئ الإسلامية والتقاليد الاجتماعية التي تقوم عليها الدولة السعودية ونتج عن سياسة الملك عبدالعزيز تطور الدولة السعودية في شتى ميادين الحياة مع الاحتفاظ بمبادئها وأسسها الدينية والاجتماعية محققاً بذلك أعظم معادلة متوازنة بين الأصالة والمعاصرة.
ومن أهم الإنجازات التي تسجل بمداد من ذهب بتاريخ موحد المملكة جلالة الملك عبدالعزيز هو إرساء الأمن بالمملكة العربية السعودية، حيث أصبحت الطرق والمدن والقرى والهجر تعيش في أمن دائم، كما أسس الملك عبدالعزيز الأنظمة اللازمة والمؤسسات الأمنية وعلى رأسها تطبيق الشريعة الإسلامية، وردع جميع المحاولات التي تمس استقرار الناس وممتلكاتهم، وأصبحت المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز ذات مكانة دولية خاصة، حيث انضمت إلى العديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية، نتيجة لموقعها العظيم ورسوخها، بل كانت من أوائل الدول التي قامت بتوقيع ميثاق هيئة الأمم المتحدة عام 1364هـ (1945م) وأسهمت في تأسيس العديد من المنظمات الدولية التي تهدف إلى إرساء الأمن والاستقرار والعدل الدولي مثل جامعة الدول العربية في عام 1364هـ (1945م).
وبعد وفاة الملك عبدالعزيز في الثاني من شهر ربيع الأول من عام 1373هـ الموافق للتاسع من شهر نوفمبر عام 1953م، سار أبناؤه على نهجه، واستكملوا مسيرة التأسيس والبناء وفق المبادئ السامية التي تستند عليها الدولة السعودية.