القادة العظماء والأئمة المصلحون لا تزال سيرهم وتاريخ أحوالهم محل الإشادة حتى مع تعاقب السنين.. وإن من أولئك الأفذاذ والقادة العظماء: الإمام المجدد صقر الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - فأحواله وسيرته وتاريخه ومواقفه تتجدد كل حين في كتابات المؤرخين العرب والمسلمين والمستشرقين وهي محل دراسات من المختصين وغيرهم.. وقد أجمعوا أن هذه الشخصية من أفذاذ القادة المصلحين.
خبيئة الله في ذا الوقت أظهرها
وللمهيمن في تأخيرها شان
فهو بحق: إمام في التقوى والورع والخوف من الله.. وإمام في الحكمة والقوة والسلطان.. وإمام في العدل والإنصاف حتى من نفسه والأقربين.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها). رواه أبو داود والحاكم وإسناده صحيح.
فيدخل في عمومه: الحاكم المصلح الذي يعز دين الله ويذب عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويدعو لما كان عليه السلف الصالح ويزع بسلطانه الناس عن البدع والتفرق والتعصب ويقيم ميزان العدل.
والملك عبدالعزيز - رحمه الله - من عظماء مصلحي هذا العصر.. وقد نوه بهذا كثير ممن كتب عن سيرته والذين سبروها عن قرب.
جدد الله به وحدة بلدان الجزيرة تحت راية التوحيد وجمع الله به شتاتها واستنقذها من التشرذم والفرقة وتسلط الأعداء.. وجدد الله به جمع كلمة أهلها ولمّ شعث قلوبهم على المحبة والوفاء والنّأي بهم عن التحزب والعصبية.. وجدد الله به إقامة شرعه والالزام بحدوده فعم الأمن وساد العدل والرخاء أرض الجزيرة حتى غدت مضرب المثل في الأمن وأمّن به سبل قاصدي البيت الحرام ومدينة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ كانوا عرضة للغوائل فصار الراكب يسير وحده حتى يصل إلى البيت الحرام ويعود إلى بلده لا يعترضه أحد ولا يخشى إلا الله وقد أشاد كثير من المؤرخين بهذا الأمر.. وجدد الله به منارات التوحيد في أرض الجزيرة، بل حتى خارجها فبعث الدعاة للقرى وأطراف البلاد ليعلموا الناس ويرشدونهم إلى المنهج القويم ووجه بطباعة كتب العقيدة الصحيحة ونشرها وتوزيعها على نفقته.. وجدد الله به سبل طلب العلم؛ فأمر بإنشاء المدارس والمعاهد والكليات وشجع الجميع على الالتحاق بها وخصص لهم المكافآت ووجه المعلمين للهجر والقرى لنشر العلم ودعوة الناس إليه وكان - رحمه الله - قدوة في هذا فكانت مجالسه في الحضر، بل حتى في السفر معمورة بالدرس وتلاوة القرآن وقراءة كتب السيرة والتفسير وكان يدعو ويشجع المختصين لطابعة كتب العلم وقد طبعت كتب عديدة على نفقته في التوحيد والتفسير والحديث والفقه وكان يأمر بتوزيعها على طلبة العلم داخل البلاد وخارجها.. وجدد الله به وحدة المسلمين فسعى جاهداً للم شملهم ووحدتهم واعتصامهم ومدافعة الاستعمار عن بلدانهم ومناصرتهم.. وجدد الله به نهضة أرض الجزيرة فسخر الله له خيراتها فكانت عوناً له في ازدهار بلدانها ورخاء عيش أهلها، خاصة ما يتعلق بخدمة مكة والمدينة وحجاج بيت الله، إذ كانت من أهم الأمور عنده خدمة لدين الله وتعظيما لشعائره ولا تزال - بحمد الله - تلك النهضة في علو ورفعة وتقدم حتى هذا العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمين، حفظهما الله.
رحم الله الملك عبدالعزيز وجزاه عن أمته جزاء المتقين الأبرار.
***
- د. فهد بن عبدالله المزعل