خرجت في العقود الماضية أبحاث ودراسات وقراءات عديدة عن شخصية مؤسس وموحد هذه الدولة المباركة التي نحتفل اليوم بالذكرى الثالثة والتسعين لتأسيسها.. ومن مطالعاتي التاريخية شدني كتاب (الجزيرة العربية الناهضة) للكاتب البريطاني -جرالد دي جوري -والذي أبدع في وصف رحلته مرافقاً للوزير المفوض البريطاني لمقابلة الملك العظيم في سرد جميل يشعر القارئ من خلاله أنه مرافق للكاتب في رحلته منذ نزوله من الطائرة في البحرين ثم انتقاله عن طريق البحر إلى العقير، ثم رحلته البرية الشاقة إلى الرياض حيث لا يوجد طرق معبدة، وبسبب ذلك أصيب الوزير المفوض بجرح في رأسه وإصابة دائمة في ظهره حيث وقعت السيارة في أحد المطبات التي تعطي صورة عن وعورة الطريق.. ثم ينتقل إلى وصف الرياض وإجوائه الرائعة التي وافقها مع دخول الشتاء ذلك العام الممطر، ثم وصف الأحياء المحيطة بقصر الملك ووصف القصر والجماهير المحتشدة من كل الفئات حول مدخله الرئيسي، إما للسلام وتقديم فروض الولاء والطاعة أو لطلب مساعدة أو حل قضية ما، ومنظر رجال الحرس المصطفين بجانب القصر بملابسهم الوطنية البيضاء, ثم يدلف بنا داخل القصر ويصف جمال القصر رغم بساطته والحركة الدؤوبه فيه وفق بروتوكلات جميلة سلسة تتجلى فيها الروح العربية الأصيلة من عادات وقيم وكرم حتى يصل إلى مدخل مجلس الملك والدخول على الملك العظيم ..(عندما دخلنا على الملك انتصب شامخاً بطوله الفخم وكان في غاية الثبات، وكان طوله يزيد عن ستة أقدام في تناسب شديد.. في جفنه الأيسر شيءٍ من الارتخاء على عينه.. وأنفه دقيق وابتسامته عذبة تظهر أسناناً متناسقة.. في يده اليمنى آثار جرح قديم إصابة في أحد المعارك..
يستيقظ الملك قبل الفجر ويومه مقسم وفق واجباته الدينية.. يقوم قراء القرآن بترتيله في ممرات القصر بين صلاتي المغرب والعشاء يجلسون متوارين في أظلة البوابات المقوسة.. يمثل الزوار بين يديه من ذوي المكانة العادية والرفيعة ليسألهم.. إنه محاور ماهر ومستفسر لا يعرف الكلل .. حول رأيه وسرعة اتخاذ قراراته يقول عنه رجاله إنه «سيد المتحرين على وجه الأرض وأسرع من البرق في السماء».. يتحدث بقوة ووضوح مزيناً أحاديثه باقتباسات من القرآن والأمثال العربية القديمة وأقوال البدو...عندما يتحدث في الأمور السياسية يتحدث بتفاصيل لافتة مرتباً حقائقه ليلاحظها السامع في أوضح طريقة.. نقطة بعد أخرى حتى يصل الذروة عندئذ يسند ظهره ويغير جلسته ويبتسم بعذوبة جذابة.. جدية وجهة نظره ووضوحها ملحوظة في كل مكان يصاحبها قوة تأثير مضاعفة)..لمحات مختصرة وغيض من فيض في حضرة موحد هذه البلاد ومؤسسها ورمزها العظيم الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في وصف كاتب بريطاني هدفه نقل الوقائع كما هي دون تزييف..
ومن اللافت في ذلك الوصف لمن سبق له وزار قصر الحكم بالرياض حينما كان ملكنا الغالي الملك سلمان بن عبدالعزيز أميرًا للرياض يجد التشابه الكبير لحد التطابق مع ذلك الوصف الذي مضى عليه 100 سنة بين ملك مقاتل مؤسس وملك بناء مطور ذي رؤية بعيدة واسعة يسير على نهجه ويستلهم سيرته ويكمل مسيرة إخوانه البررة الذين قادوا هذه البلاد -بفضل الله- إلى بر الأمان. نسأل الله جلت قدرته أن يمد في عمره ويمتعه بصحته وأن يسدده ويوفقه وعضده وولي عهده الأمين عراب الرؤية المباركة وقائد مرحلة التجديد الكبرى لما فيه خير ونماء وقوة ورفعة هذه البلاد الغالية وأن يعيد علينا ذكرى يومها المجيد سنين عديدة في أمن ونماء ورخاء.
** **
بقلم/ عبدالرحمن بن عبدالله بن فيصل بن فرحان - محافظ المجمعة