في مثل هذا اليوم من عام 1932م، قام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - بتوحيد أجزاء الدولة السعودية الحديثة في اسم واحد هو «المملكة العربية السعودية» وتأسيس المملكة المعاصرة، ويُعتبر هذا التوحيد إنجازاً كبيراً للملك المؤسس، وهو نتيجة للعمل الجاد والمثابرة أمام التحديات الهائلة.
ومنذ ذلك اليوم تسعى المملكة جاهدة لتوفير الحياة الكريمة لمواطنيها، بما في ذلك الأجانب الذين يأتون من دول مختلفة حول العالم، وتحت قيادة مقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظهما الله - يعيش المواطن السعودي في رغد واستقرار نتيجة للتطورات والإصلاحات التي شهدتها المملكة في السنوات الأخيرة، حيث لا تزال المملكة تحقق العديد من الإنجازات البارزة في مختلف الميادين، بدءاً من خدمة الإسلام والإصلاحات السياسية والاجتماعية، ووصولاً إلى تطوير البنية التحتية وتوفير فرص العمل للمواطنين، بما في ذلك المرأة السعودية، وتوسيع وتعزيز برامج الرعاية الاجتماعية.
وبدعم ورعاية خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -، أطلقت المملكة رؤيتها 2030، وهي رؤية مباركة من قبل سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - لمستقبل هذا الوطن العظيم، والتي تسعى لاستثمار مكامن قوّتنا التي حباها الله بها، من موقع استراتيجي متميز، وقوة استثمارية رائدة، وعمق عربيّ وإسلاميّ، حيث تولي القيادة لذلك كل الاهتمام، وتسخّر كل الإمكانات لتحقيق الطموحات. كما أنه خلال السنوات الست الماضية، تم تحقيق عديد من الإنجازات، التي أسهمت في تحقيق نتائج ملموسة، على صعيد منظومة العمل الحكومي والاقتصادي والمجتمعي. ولقد واجهت المملكة العديد من التحديات، واكتسبت العديد من الخبرات التي عززت ثقة مواطنيها بالقيادة الرشيدة في تحقيق أهداف المملكة، ومن خلال الاستثمار في التحول الرقمي الحكومي، وخلق فرص للنمو والاستثمار، وقامت بتحديث عددٍ من القطاعات الاقتصادية الجديدة، وفتح أبواب المملكة للعالم، ورفع مستوى جودة حياة المواطنين، تمت كل تلك الإنجازات بأيدي أبناء هذا الوطن العظيم.
وفي المجالات الخارجية والسياسات الدولية استندت سياسة المملكة الخارجية إلى عدة مبادئ وأهداف تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي والسلام الدولي، وتشجيع التعاون الدولي، حيث تلتزم المملكة بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتسعى إلى بناء علاقات إيجابية مع الدول الجارة والمجتمع الدولي. كما تعمل على تعزيز علاقاتها مع الدول الصديقة والشركاء الإقليميين والدوليين من خلال التعاون الثنائي والمشاركة في المنظمات الدولية، وتشارك المملكة بفعالية في التحالفات الإقليمية والدولية من أجل تعزيز الأمن والسلم الدوليين وتقديم الدعم للجهود الدولية، وتعمل على تعزيز التوسط وحل النزاعات الإقليمية والدولية بشكل سلمي ودبلوماسي وتسعى إلى تقديم الدعم الإنساني والتنموي للدول والمناطق المتضررة من النزاعات والكوارث الطبيعية.
ولم تنسَ قيادة مملكتنا الرشيدة - أيدها الله - المحافل الدولية ضمن سياساتها، حيث تعد أكبر داعم ومتبرع إذا قيست بالناتج القومي، ويمثل مجمل تبرعات المملكة نحو 5 % من ناتجها القومي، إضافةً إلى المساهمات الإغاثية التي وصلت إلى أكثر من 80 دولة، والتي استفاد منها أكثر من 90 مليون شخص، إلى جانب القروض لكثير من الدول دون فوائد. كما تحمل المملكة تطلعاتٍ كبيرةً في استضافة معرض إكسبو 2030، وهذا يأتي في إطار تعزيز دورها الإقليمي والدولي وتعزيز التبادل الثقافي والاقتصادي، واستضافة معرض إكسبو 2030 ستكون فرصة كبيرة للمملكة لعرض إبداعها وتقديم رؤيتها للمستقبل.
كما ستساعد الاستضافة المملكة في تعزيز التواصل الدولي وبناء علاقات دبلوماسية واقتصادية أقوى مع الدول المشاركة، وإتاحة فرص للابتكار وتبادل الخبرات في مجموعة متنوعة من المجالات، وبسعي المملكة لتكون مستضيفة لمعرض إكسبو 2030، ستكون في موقع مميز لتسليط الضوء على إنجازاتها وتقديم رؤيتها لمستقبل مشرق. كما ستكون فرصة لتحقيق التعاون الدولي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الفهم والتواصل بين مختلف الثقافات والشعوب.
ولينعم المواطن السعودي والعالم بالأمن والسلامة، تلعب المملكة دوراً بارزاً في مكافحة التطرف والإرهاب على الساحة الدولية والمحلية، وهذا الدور يعتبر ذا أهمية بالغة نظراً للتأثير البارز الذي تمتلكه المملكة في الشؤون الإسلامية والإقليمية، فضلاً عن مكانتها الاستراتيجية في العالم الإسلامي.
كما أن للمملكة دوراً فعَّالاً في التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، حيث تشارك في التحالفات الدولية مثل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وتسهم بفعالية في تبادل المعلومات والمخاطر الأمنية، مما يساهم في تقديم الدعم الدولي للجهود المبذولة للقضاء على الإرهاب ومكافحته. كما تسعى المملكة أيضاً لمكافحة التطرف الفكري، حيث تدعم الدعوة إلى الوسطية والاعتدال في الإسلام وتعزز القيم الإسلامية السمحاء، ويتم ذلك من خلال دعم التعليم ونشر الوعي بالقيم والاعتدال في الدين، مما يسهم في تعزيز رسائل تعايش الأديان والسلام العالمي.
ولم تقتصر المملكة على السياسة والأمن والصحة، ففي خطوة هامة نحو الاستدامة وحماية البيئة، أعلن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله -، عن إطلاق «مبادرة السعودية الخضراء»، وهي مبادرة طموحة تهدف إلى تحقيق تحول كبير في مسار التنمية البيئية والاقتصادية في المملكة. وتعتبر هذه المبادرة خطوة هامة نحو تحقيق الاستدامة ومكافحة التغير المناخي، وستلعب دوراً مهماً في الجهود العالمية للمحافظة على كوكب الأرض وحماية مستقبل الأجيال القادمة. وبينما يتزايد الاهتمام العالمي في الآونة الأخيرة بالطاقة الخضراء أو المصادر المتجددة للطاقة، في محاولة للاعتماد على مصادر جديدة للطاقة أكثر محافظة على البيئة وتعمل على تخفيض توليد الغازات الدفئية في العالم بما يقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري، كانت قيادة مملكتنا سباقة لذلك بإطلاق مبادرة السعودية الخضراء، ومنذ إطلاق المبادرة قبل عامين تم تنفيذ 17 مشروعاً جديداً للطاقة المتجددة بسعة إجمالية تبلغ 13.76 جيجاوات، بهدف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار قرابة 23.1 مليون طن مكافئ. وقد تم أيضاً إطلاق أكبر مجمع في العالم لإنتاج الهيدروجين النظيف، بقدرة إنتاجية تصل إلى 250 ألف طن سنوياً بحلول عام 2026م. بالإضافة إلى ذلك، تم الإعلان عن المرحلة الأولى لأكبر مركز إقليمي لالتقاط ونقل وتخزين ثاني أكسيد الكربون في مدينة الجبيل الصناعية، والذي سيكون له القدرة على استيعاب 9 ملايين طن سنوياً بحلول عام 2027م، وسيصل إلى سعة قصوى تبلغ 44 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035م.كما احتلت المملكة المرتبة العاشرة عالمياً في مؤشر المستقبل الأخضر منذ إطلاق مبادرة السعودية الخضراء، ولاحظت تقدماً كبيراً في إنتاج الطاقة المتجددة حيث احتلت المرتبة الأولى عالمياً، وتصدرت قائمة الدول العربية واحتلت المرتبة الـ 20 عالمياً في مؤشر خفض انبعاثات الكربون.
كما سعت القيادة الرشيدة إلى إدراج المرأة السعودية في رؤية المملكة 2030، حيث أعطى خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله - أولويات للتعليم والاهتمام بشؤون المرأة السعودية، واليوم تلعب المرأة السعودية دوراً حيوياً ومؤثراً في تحقيق رؤية المملكة 2030، ويشمل دور المرأة مشاركتها الفعّالة في سوق العمل حيث تشجع على العمل وريادة الأعمال. كما تمتلك النساء في المملكة الحق في المشاركة في عمليات اتخاذ القرار والمشاركة السياسية، بما في ذلك حق الترشح والمشاركة في الانتخابات، وتسعى قيادة المملكة الرشيدة أيضاً لتوفير التعليم والتدريب للنساء لاكتساب المهارات الضرورية لتحقيق نجاح في مختلف الميادين. وشجعت المرأة على الاستثمار وإدارة أموالها والمشاركة في القطاعات الثقافية والفنية، ويعكس هذا التمكين للمرأة التقدم الكبير الذي تحقق في مجال حقوق المرأة والمساواة في السعودية في السنوات الأخيرة.
ولم تكتفِ القيادة في مواجهة التحديات الصغيرة حيث أثبتت للعالم أجمع قدراتها في الاستفادة من كل الظروف المحيطة من خلال رؤيتها وقراءتها للوضع الحالي والعمل الإنساني، ومنذ عام 1996م حتى عام 2022م، بلغ إجمالي المساعدات الإنسانية والإغاثية التي قدمتها المملكة أكثر من 94 ملياراً و600 مليون دولار أمريكي، وقد استفادت من هذه المساعدات 164 دولة حول العالم. ويعتبر مركز الملك سلمان للإغاثة أحد التزامات المملكة الثابت لتقديم الدعم الإنساني والإغاثي للمناطق والدول المحتاجة، حيث إنه منذ إنشائه في عام 2015م نفذ ما يقارب من الـ 2402 مشروع إنساني في 92 دولة حول العالم، وقُدرت قيمة هذه المشاريع بأكثر من 6 مليارات و248.552.169 دولار أمريكي.
وفي الختام، أتقدم بأسمى آيات الاحترام والتقدير لقيادة المملكة باليوم الوطني الـ93، متمنياً لها ولشعب المملكة الكريم دوام الرخاء والازدهار، وآملين أن تستمر مملكتنا في تحقيق النجاحات والإنجازات في مختلف المجالات.
** **
هشام بن سلطان القحطاني - سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية الفلبين