في كل عام وفي هذا التوقيت تمامًا.. في يومنا الوطني العزيز الموافق للثالث والعشرين من شهر سبتمبر .. نحتفل بالتاريخ الناصع الذي يعطّر صفحاته عن مملكتنا الحبيبة..،حيث نستذكر مآثر المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (المغفور له بإذن الله) موحّد المملكة بعد نضال وكفاح بكل شجاعة وإقدام واستبسال. ونعزّز الفخر بالإرث المجيد التليد الذي توارثناه حينما نصبه التاريخ كنخلة شامخة وسيفاً حاسماً وموحداً.. اختصر التواريخ والأزمنة، ومع مرور السنوات تضاعفت تلك الصفحات الخالدة عزّاً وشرفاً مع ملوكنا الحكماء الذين استبدلوا لقب الملك بـ(خادم الحرمين الشريفين) كدلالة على تشريف الله لهم بالولاية على المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، وثابروا بكل إخلاص على العمل في التنمية لكافة المجالات؛ منها خدمة ضيوف الرحمن وزيادة كفاءة الخدمات الصحية والإنسانية لهم، ورفع الطاقة الاستيعابية للحجاج والمعتمرين وفقاً لمعايير صحية بغرض أداء أكبر عدد من المسلمين فريضتهم بكل يسر وسهولة،كما أنهم أمضوا عقوداً من الزمن في سبيل التطور وتهيئة سبل الرفعة في خدمات الدولة والتعليم المجاني وعن طريق البعثات الداخلية والخارجية على نفقة الدولة، فمثل بلدنا كان يُعرف من قبل مئة سنة تقريباً أنَ هنالك شخصاً واحداً من بين كل عشرة آلاف يجيد القراءة والكتابة،وذلك لانتشار التعليم في مرحلة متأخرة، وأثناء توحيد مناطق المملكة أولى الملك عبدالعزيز اهتماماً بالتعليم بعد استتباب الأمن، حيث أُعلن في تاريخ (1925 م)عن إنشاء مديرية المعارف لبدء نشره في المناطق التي توحدّت، وأول نواة التعليم الابتدائي والثانوي فقط في عام (1926م) وكانت الأولوية في منطقة الحجاز لمكانتها الدينية ولأن التعليم كان مُتاحا في بعض من المدارس الأهلية،حتى بدأت الدراسة النظامية في (1927م) تحت مظلة رئاسة مجلس المعارف الذي تشكّل في نفس العام، وكانت أول مدرسة ابتدائية نظامية باسم (العزيزية) فتحها الملك عبدالعزيز في مكة المكرمة حينها.
وبالرغم من أن الدولة السعودية أُعلن عن تأسيسها وهو عام التوحيد في (23-9-1932م) إلاّ إن انطلاقة المسؤولية لمجلس المعارف في فتح المدارس جعلتها تولي كل الاهتمام بتغطية كافة مناطق المملكة،وقد صدر نظام البعثات الخارجية في عام (1936م)، ومع تعاقب الحقبات الزمنية اللاحقة تكاثرت وتطورت فيها المدارس والجامعات والبعثات الدراسية للخارج وفق رعاية ومتابعة المكتب التعليمي تحت مسمى الملحقية السعودية الثقافية في مناطق تنويرية متعددة في العالم على مر السنوات،حيث استثمرت الحكومة في أبنائها ذوي الكفاءات والقدرات من شباب وشابات ليساهموا في النهضة والطفرة والنمو التي نشهدها، حتى وصلنا إلى أن حصد أبناؤنا وبناتنا السعوديون التميز والتفوق في بلدان كثيرة كألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما المشاركون من مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع القائمة والشراكة بينها وبين وزراة التعليم المراكز الأولى (آيسف 2022) حيث الفوز ببراءات اختراعات متميّزة وتقديم جوائز لهم في المحافل والمسابقات الدولية تشمل شتى العلوم، انتماءً ووفاءً منهم لتحقيق منجزات تليق بمكانة المملكة وتحقيق رؤية السعودية (2030) بدعم قوي واهتمام من قيادتنا الرشيدة أيدها الله.
كما لا يفوتني أن أُشيد بِعُلمائنا الأفاضل الذين نالوا مكانة وحظوة كبيرة ومتميزة عند كثير من الدول الإسلامية، وبالمقارنة بحاضرنا اليوم حيث سنة 2023 م نكون قد قاربنا من إكمال 100 سنة من تلك المسيرة التعليمية، حتى وصلنا إلى هذا العهد الدؤوب عصر الإنجازات والتطورات بخطى متسارعة مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان- حفظه الله- وولي عهده الأمين محمد بن سلمان- حفظه الله-، الشاب الطموح الذي لا يعترف بالمستحيل.. والذي أصبح اسمه في قائمة الرموز المؤثرين في العالم كرائد التجديد والتغيير وحامل لواء (السعودية أولاً).
وبذلك نستخلص أن مايميّز السعودية هو أن ما يقارب مئة سنة على نشأة الدولة تُعد فترة قصيرة جداً في عمر الحضارات، وبالتالي فإن كل هذا النمو والتطور يُعد قفزة نوعية قياساً بعدد السنوات القليلة لنشأة أي دولة على مر التاريخ، ولابد لنا من الإقرار بالحقيقة والواقع الذي لم يسبقنا إليه أحد بفضل من الله سبحانه ثم بفضل قيادة هذا الشاب الشغوف للمملكة العربية السعودية بأن أصبحت في فترة وجيزة من أقوى وأعظم 20 دولة في العالم، وهذه هي (المعجزة التاريخية في بلادنا السعودية)،التي تدعو للزهو وتعزيز الشعور بالانتماء من خلال التعريف بماضينا المجيد، وربط هذا الشعور الوطني وتلك الصورة من خلال أكبر مشروع تراثي وثقافي لتطوير (الدرعية التاريخية) التي تستهدف جذب 25 مليون زائر وسائح باعتبارها كانت العاصمة الأولى للسعودية وإرثا حضاريا وأرض الملوك وغنية بالآثار التراثية وعاصمة الثقافة العريقة،ولِتُعد من الوجهات الهامة التعليمية والسياحية والترفيهية في المنطقة والعالم لكونها مثالاً نموذجياً يجسّد التحولات عبر الزمن بقيمة وعظمة الحضارة السعودية،ومازالت الجهود الحثيثة بتوكيل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على رعاية وحماية التراث العمراني وترميمه والاهتمام بالمتاحف والقطع الأثرية المصنوعة أو الطبيعية، وقد وقّعت المملكة على اتفاقية دولية ضمن قائمة التراث العالمي في اليونسكو، تتعلق بحماية الآثار والتراث الثقافي منها (مدائن صالح) (الدرعية التاريخية) (جدة التاريخية) (الرسوم الصخرية في مدينة حائل والأحساء) وغيرها من الآثار الجاري العمل بها، وإذا كان كل ذلك عبر أبعاد التنمية المحسوسة.. فعلى مستوى إنسان هذا البلد وإحساسه بالعدل والمساواة فإن هنالك زوايا نفسية غاية في الأهمية يمكن رصدها وملاحظتها، فدائماً لدى المواطن السعودي إحساس متجذر في داخله بوجود مرجعية تنصف الحقوق وتبحث عن العدل.. مثال على ذلك ما يقوم به بعض المسؤولين من فتح مكتبة ومجَالسه للعامة ليتلمّس حاجة المواطنين والسعي لخدمتهم في المجال الإنساني والعملي.،ومثال آخر قد يكون هنالك قطاع أوجهات خدماتية يشعر المواطن بالتقصير فيها أوحتى الظلم بسببها..فيلجأ إلى القيادة كيقين بتحقيق العدل له.
هذه المرجعية الخاصة تقف خلف هذا النمو والقوة والاتحاد والقفزات السريعة التي تشهدها مملكتنا الحبيبة ولا يستطيع أن ينكرها إلاّ جاحد أو مكابر، فالرياض مثال كمدينة.. تعتبر معجزة لكونها في قلب الصحراء ويبعد عنها الماء أربعمائة كيلو متر تقريباً، ومع ذلك أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن تأسيس المملكة لمنظمة عالمية للمياه مقرها الرياض.. ومعالجة تحدياتها.. والاهتمام بخدمة المشاريع المتعلقة بها وضمان الاستدامة لموارد المياه وسهولة الوصول إليها، وتحقيق إنجازات عالمية في إنتاج المياه المحلاة وحصلت المملكة على أثر ذلك على شهادتين من موسوعة غينس، لكون المملكة تملك أكبر المنشآت المنتجة للمياه المحلاة في العالم وأهمها في مدينة الجبيل، وقد تم حفر أطول نفق في العالم لنقل المياه المحلاة في محافظة الطائف، وإنشاء قوات خاصة للأمن البيئي من خلال الاستعانة بخبرات الدول التي تملك خبرات وتجارب في حلول تلك المشكلة وتفعيل التشغيل في القطاع الزراعي ورفع كفاءته وزيادة نسبة التشجير والمسطحات الخضراء التي تساهم في تحسين المناخ، كما بادرت حكومتنا لعمل استراتيجية حكيمة بإطلاق مبادرات بيئية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وبالتوسع في استخدام التقنيات الصديقة للبيئة،خاصة إنه وفق التقديرات العالمية قد يصل سكان العالم ما يقارب 9,7 مليار شخص خلال الثلاثين عاماً القادمة، لذا سيتضاعف الطلب العالمي للمياه حينها، وهذه خطط حكيمة من حكومتنا -حفظها الله-.. كما لم يتوقف الاهتمام بهذا الجانب من قِبل قيادتنا الرشيدة، بل صرّح ولي عهدنا -حفظه الله- بأن مدينة الرياض إحدى ركائز النمو الاقتصادي في المملكة من صناعة وسياحة وخدمات حتى باتت منطقة جاذبة للأعمال والاستثمار، ويستهدف أن تكون بين عشرة أكبر اقتصاديات في العالم، بينما كانت القبائل قديما تتقاتل على الماء وتفتك بها العنصرية القبلية، ليأتي الموحّد الملك عبدالعزيز ويبني لبنات هذه الدولة العظيمة التي نحن بصددها الآن، وحتى عندما رزقنا الله النفط، كان جلّ اهتمام قادتنا الكرام استغلاله في النمو والتطور فأصبحت بلادنا على امتداد الزمن من أكبر وأثقل الدول وزناً وأشدها هيبة..
وعلى المستوى الإنساني التعاوني تتفرد حكومتنا بتبني منصة إحسان للتبرع المنُظَّم مع ترك فرصة مساهمة المواطنين بها، وتضمن وصول المساعدات من خلال اللجان الحكومية للأسر الأشد حاجة وتضرراً، وأيضاً إطلاق منصة لحساب المواطن لدعم المستفيدين، ناهيك عن الاهتمام بقطاع الإسكان والاهتمام بخدمات الرعاية الطبية للحالة الطارئة وتطوير منظومة قوية للسلامة المرورية،والأهم تطوير التطبيقات والمنصات والتحول الرقمي المبتكر الذي نباهي به أنفسنا بالتميز عن كثير من الدول العظمى، حتى تجاوزنا الأحلام لتصبح حقيقة متجسّدة في مدينة (نيوم) والتي وعد بها ولي العهد -حفظه الله- بأنها ستخلق مفهوماً جديداً في حياة المدن العصرية لم يسبق لها مثيل، والحديث لا ينتهي عن النعم التي نحياها ونتذاكرها مع كل يوم وطني نستعيد به تاريخنا المضيء، فهنيئاً لنا بهذه القيادة الصالحة البارّة بوطنها وأبناء شعبها، والتي تصب اهتمامها في التنمية والتطور ومواصلة الإصلاحات والإنفاق على البنية التحتية،ولا يزال الاقتصاد والأعمال والإنجازات قائمة على قدمٍ وساق ومستمرة ومزدهرة بنعمة من الله وفضله، وبمشاركة كافة القطاعات غير النفطية في الاقتصاد الوطني، حتى تتحقق الغاية وهي أن تصبح المملكة قوة استثمارية ويتحرر اقتصادها من الاعتماد على النفط، وينعم المواطنون بحياة عامرة بالرفاهية وغامرة بالرخاء.. حفظ الله المملكة العربية السعودية وشعبها وقادتها، وأدامها شامخة عزيزة بمجدها وجعلها ذخراً للإسلام والمسلمين، وكل عام والوطن بخير..
إضاءة:
يا دارنا يا أرض الكرم والكرامة
يا منبع العزة ويا حصن الإسلام
تراك غارس فالحنايا غرامه
وأثمر مشاعركلها حب وإقدام
يا عل ربي يحفظك بالسلامة
من شر حاسد.. أو وشايات نمام
الله وأكبر يا وطنّا
وش كثر يكبر غلاك
أول الإسلام منّا
وآخر العزة ثراك
ما نساوم في ترابك
وما نهادن في غلاك
نزرع المجد افهضابك
وننثر النور افسماك
** **
- نوف بنت محمد بن فهد الثنيان