برحيل ملك البلاد العظيم فيصل بن عبدالعزيز في عام 1975م تولى الملك خالد مقاليد الحكم وأصبح الفهد ولياً للعهد والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء،
حدثت هذه التطورات في فترة كانت المملكة مقدمة على أكبر وأضخم مشروع تنموي عُرف في القرن العشرين أو ربما أندر مشروع عرفه العالم الحديث، حيث وظفت المملكة عائداتها الضخمة من البترول الذي بلغ أعلى معدل لأسعاره خلال هذه الفترة كما بلغ معدل الإنتاج أعلى معدل له أيضاً،
قاد الملك خالد وعضيده وساعده الأيمن الفهد مسيرة التنمية بكل اقتدار وتجاوزا كل ما اعتورها من صعوبات وتحديات وتحولت المملكة بكل مناطقها ومدنها وهجرها وقراها إلى خلية عمل متواصل، فتغير كل شيء في معظم نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وانتقل المواطن السعودي أو المجتمع السعودي من حالة هي أقرب ما تكون عليه مثلما كانت عليه حالته قبل عدد من القرون إلى حالة مغايرة تماماً، فلقد تحولت القرى إلى مدن وبيوت الطين إلى بيوت مسلحة بفضل خطة طموحة ورائدة للإسكان وتحولت المدن إلى «متروبوليتن» وارتفع مستوى المعيشة وزيادة دخل الفرد إلى معدل لم يكن متوقعاً وشقت الطرق ووصلت إلى كل مكان، وبنيت عدد من الجامعات والمعاهد المتخصصة، وارتفع عدد المبتعثين من السعوديين للدراسة في الخارج إلى أعلى معدل حيث بلغ عددهم في الجامعات الأمريكية لوحدها حوالي عشرين ألف طالب وطالبة، أريد تأهيلهم للمساهمة في قيادة حركة التطوير والبناء من خلال تلك الخطط الطموحة لإسعاد المواطن السعودي وهي خطة تصب في تحقيق حلم الملك فهد الذي كان يرسمه منذ سنوات مبكرة،
وقطع عهداً على نفسه بأن يجعل من المواطن السعودي أسعد مواطن، وأن يعوضه عن كل سنوات الحرمان التي حرم منها لقرون طويلة فأسس البنوك الإقراضية المتخصصة مثل بنك التسليف العقاري وبنوك للزراعة وبنوك للتنمية الاقتصادية والصناعية تقدم العون والمساندة إلى كل مواطن بقروض ميسرة وبدون فوائد، هذه جوانب من إنجازات الفهد الذي كان يشرف بنفسه على كل خطوة تخطوها خطط التنمية، وكان يذلل كل صعوبة تعتورها بما في ذلك الروتين البيروقراطي المعرقل الذي كان يمقته إذا حال دون تحقيق عمل فيه مصلحة للأمة فكان وكعادته في كل أمر شجاعاً في اتخاذ القرار،
لم يكن الشأن الداخلي للمملكة مع ما يشهده من تطورات اجتماعية واقتصادية وسياسية غير مسبوقة ليصرف اهتمام القيادة عن متابعة التطورات في المجالات العربية والإسلامية والدولية، بل كانت المملكة لاعباً رئيساً في أحداث العالم لما تمثله من أهمية سياسية واقتصادية ودينية، ولما تشعر به من مسؤوليات تجاه العالم الإسلامي خاصة من حيث مساندته في التنمية الاقتصادية والبشرية ففتحت أبوابها مشرعة أمام الكفاءات وغير الكفاءات من العمالة العادية من أبناء تلك البلاد للعمل في مشاريع التنمية في المملكة بأجور عالية كونت مداخيل مرتفعة انعكست على التنمية الشاملة في بلدانهم، كما أسست المملكة بنوكاً متخصصة لإقراض المشاريع في البلدان الإسلامية والعربية ساهمت بشكل فاعل في تطور البناء الاقتصادي والاجتماعي في معظم بلاد العالم الإسلامي والعربي،
أصبحت المملكة خلال هذه الحقبة تمثل القطب الرئيسي في العالمين العربي والإسلامي فإليها تتجه الأنظار وبثقلها تساهم في حل المشاكل العالقة بين هذه الدول، وعلى أرضها عقدت عدة مؤتمرات دولية لمعالجة المشاكل المختلفة التي تهدد أمن واستقرار العالمين العربي والإسلامي، ومع كل هذه الجهود التي قامت بها المملكة في سبيل تأمين الاستقرار والرخاء لمنطقتنا، إلا أن أحداثاً جساماً عصفت بالمنطقة أدخلتها في دوامة كبيرة لا زالت ذيولها وآثارها ماثلة إلى الآن، ولعل أهمها الحرب الإيرانية العراقية وغزو إسرائيل للبنان والحرب الأهلية اللبنانية والعلاقات العربية العربية بعد توقيع سلام كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، هذه الأحداث المروعة حقاً حاولت المملكة بكل ما تملكه من وسائل التغلب عليها والحد من خطورتها وتأثيرها على العلاقة بين الإخوة الأشقاء وضحت في سبيل ذلك بالكثير من إمكاناتها الاقتصادية التي أثرت بشكل أو بآخر على مسيرة التنمية في الملكة في السنوات التي عقبت اندلاع هذه الأحداث،
ومع جسامة هذه الأحداث وما أحدثته من شروخ في الجسم العربي والإسلامي فلقد ظلت المملكة بقيادتها الحكيمة صامدة مستمرة في البناء محققة أعلى درجات الرخاء والأمان والاطمئنان لشعبها، وظلت تقوم بدورها كاملاً من خلال سياستها الرزينة والمتوازنة في محاولة رأب الصدع العربي والإسلامي، وكان الفهد الذي عُرف بمواقفه الشجاعة أمام الأحداث والتحديات هو مهندس وربان القيادة السياسية،