انطلق الفهد فهداً يبني أمجاد الوطن، مسترشداً بدوحة الامجاد الأبوية، وكان نجماً بين نجوم من إخوته، فاستشعرتم الوطن أمانة عندكم، وكمن يستودع الوطن يستثمره ويدخره، فأنتم آل سعود رياض هذا الوطن فأضحت تضيء سيرتكم المحمودة سطور الصحف والكتب، حملتم راية الايمان تقى وعدلاً وعلماً وعملاً يزفها منكم قمرٌ إلى قمر، حقاً اضطلعت يا فهد الاسلام وياخادم الحرمين بأمانتها فحملت راية الوطن واثقاً بالله مقتدراً متدبراً.
وناديت هيا يا أهل الجزيرة إلى الوحدة والعلم والعمل نفكر ونخطط ونبني ونشيد ، ونواصل مسيرة الحق والعدل والخير، فاستجاب لك ابناء الوطن يتداعون من الجبل والوادي ومن البحر والساحل ومن القرى والمدن يلتفون حولك فأخذت ترفع رايتهم مبكراً ومسيرتهم لاعادة أمجاد الدين وجزيرتهم وبناء حضارتهم، وكان فكرك مشغولاً أبداً فسلمك حرب على الجهل والتخلف وتأمل للبناء العقلي والمعرفي والانتاج الفكري فكم من مؤسسة فكرية وعمرانية وصناعية وزراعية أثلت مجداً لها في جزيرتنا وشهدت جمال أزهارها ويانع ثمارها. وكانت حربك مع الحوادث والأهوال لا هوادة فيها ولا سلم ولا هدأة ولا سيما فقد درجت اليك ورطات الحوادث العالمية لتنوش وطنك وتصدع وحدة أمتك، وكيما توقف زحف الحق والخير، فكنت تتدرج وتعالجها بفكر وحلم واستشارة وعلم مصطبراً لله محتسباً، فكنت تدرأ عواقبها وتصدُّ اندفاعها وتحطم أثقالها فأنت الذي صيَّرت من نفسك فداء لصد شرورها عن وطنك الغالي، وكان رأيك فيها اللطف والعدل. فما زلت بالأمور تعقلها حتى قامت معتدلة، واستنارت طرائقها واهتدت إلى الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه ولا أمت، فكنت بهذا في مغرب الدنيا ومشرقها شغل الصحافة والإعلام والمنابر ومستقطب الوفود ومضياف العظماء والرؤساء، وكانت بلادك ترنو إليها عيون الملأ من العالم وتهفو إليها نفوس الشعوب وكنت ومازلت يا فهد تشعل الإسلام في الكون بحكمة ورويَّة ورضا ودعوة سليمة فأردت يا فهد أن يكون الدين يحمل خيراً في ارجاء الكون فحماك الله لأمة ترضاك في الإعلان والإسرار بعد ان حملت عنها الخطورة كباراً وصغاراً تكافح أحداث الزمان وتنتضي لها من حسام العزم ما هو قاطع، وتقضي الليالي في افتكار، وتجشمت ما لم تحتمله الطبائع البشرية.
أقبلت يا فهد بنظام الحكم أثلج زاهرا يزهر بالشريعة وحسن التنظيم يستوعب احداث الزمانِ ويستشرف مستقبل الأمة ويستهدي الوطن بدقيق إبرامه ونظامه ويؤطر الحياة بجليل قضائه وتشريعه ويظلل الجزيرة بوافر الأمن وينمي دوحته.
وطورت الشورى يشع نورها ويجول فكرها متدبراً متأملاً وراصداً لحركة الحياة فصيرت نظامه مرصداً للفكر وميداناً للإبداع ومستقطباً للعقلاء والمفكرين من أهل الوطن فأرسيت قواعد الشورى والاستشارة التي هي سلاح الفرد المسؤول ، وسلاح الأمة وأكبر عامل من عوامل بقاء الدول واستمرار قوتها، وهي التي تحدث التوازن السياسي والاجتماعي، وهي التي تقارن وتبرهن وترجح ترجيحاً، موضوعياً فأنت يا فهد بتطوير مجلس الشورى حمَّلت صفوة القوم وعقلاءَهم أمانة الوطن وأشركتهم في تكوين القرار الوطني ، فتلك براهين على همتك ياخادم الحرمين الشريفين التي ابتنت المدائن الواسعة والحضارة اليافعة، وفوق ذلك كله حباك الله فكراً ورأياً سديداً يدبر الاحوال ومجريات الأمور بثبات وعزم في الحوادث لا تفله العجلة ولا تستفزه العوارض وتيارات الإعلام ومحاور القوى والأطماع، فكنت تحمي بلادك والحوادث كثيرة وبفضل من الله صارت بلادك تصعد، وبلاد غيرك تهوي ونعمتْ بالاستقرار والأمان حين لا أمن في المشارق يورد.
يا فهد قدت مركبة العلم والمعرفة والتربية في يوم لا أموال ولا قدرات فيه، فأزلت السدود وأخذت تصعُد بمعاقل العلم إلى التلال والتلاع والجبال وتنزل إلى بطون الأودية والشعاب وتجوب السهول والصحارى حتى تلألأت قلاع العلم في كل قاصٍ ودانٍ ومرتفع ومنخفض يحصد فيها العلم ليلاً ونهاراً فانتصرت على العدو الأول الجهل وقضيت على الأمية وأهلت شباب الأمة بسلاح الوعي والمعرفة.
وحين اقتنعت الأمة بقدراتك أمَّل المفكرون والأدباء خيرا فاستمطر الشعراء والكتاب جهودك وغاياتك السامية لتكون عوناً ونصيراً على تأسيس التعليم للبنات ، فيقول ابن خميس عام 1373ه مخاطباً شخصيتكم المرموقة:
يا نصير العلم هل من شرعةٍ
تمنع التعليم عن ذات الخِبا
وفي تلك الفترة يخاطب إبراهيم خليل علاف الملك فهد بقوله:
وللفتاة رجاً لولا الحجاب لما
وقفت عنها لديك الآن ابديه
عهد جديد به الإصلاحُ مختبط
قد اشرأبت له شتى نواحيه
فكان له ما أراد فاستجيب لمساعيكم وأشرفتم وأسقيتم النماء المعرفي للفتاة بل أسستم الدراسات الجامعية العليا في كل محافظة لبلادنا العزيزة المترامية الأطراف.
وقد أناطت بك الدولة والمجتمع السعودي المهام لتأسيس أول جامعة في بلادنا فاستدعيت مشاهير العلماء والمفكرين فأشرقت انوار جامعة الملك سعود وهي فتية وتواصلت عنايتكم بالجامعات مؤسساً لها ولتطويرها داعماً لمسيرتها راعياً لها. ولمنشآتها بانياً.
يا خادم الحرمين، آمنت فيك بعبقرية أمة عشرين حولاً في ذراك تألقت كرت بها الأيام، وهي مضيئة تضرب فيها بعهدك الامثال، تلك الاعمال المبدعة والانجازات الشاملة، المتكاملة التي قيضها الله على يديكم البارتين قد أشعرتنا بالهناء وغمرت المجتمع بأمواج من البشر.
فأنت ياخادم الحرمين الشريفين ترقب وجه الله خوفاً وتبتغي رضاه وترجو أن تطيَّب المراجع وقلبك خاشع.
وعهد شورى ليس فيه نزع ولا طيش وإنما حلم وأناة وتدبر واستشارة، فعش كما يرضى الله لك ظافراً وللدين كهفاً وللأمة راعياً.