إن من عايش المنجزات العظيمة، وعاصر التقدم والتطور البالغين منتهى الكمال البشري، في عصر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه - فلا شك أن تمتلكه الأريحية، ويستولي عليه الاعجاب والتقدير، والعرفان، والامتنان، لهذا القائد الفذ، والملك الهمام، ويسعى إلى المشاركة فيها بفكره وقلمه ووجدانه، وقد تفاعل كل ذلك، واعتمل في عقلي ووجداني، فسطره قلمي في بحث بعنوان: (فهد الأمجاد، ومنهج الإسلام، نظير فريد، وتطبيق بديع)، وهو تحت الطبع، وقد أحببت إتحاف القراء بخاتمة هذا البحث وخلاصته وهي:
وبعد هذه الجولة التأملية في رياض الفكر الألمعي الرائع، للقائد الفذ، وإمام المملكة العربية السعودية إلى مراقي المجد، خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، لا زال بنصر الله - تعالى - الملك المظفرالمؤيّدْ، والتي استبنا خلالها من كلماته النيرة، وخطبه المضيئة، وأحاديثه السامية، منهجه الذي استضاء بهديه في قيادة بلاد الحرمين الشريفين، فبلغ بها في مدة عشرين سنة ما لا تبلغه الدول في عشرات السنين - يسرنا أن نوجز في هذه الخلاصة ما اجتنيناه في هذه الجولة من ثمار:
الثمرة الأولى : غزارة علم القائد الفهد، وسعة اطلاعه على واقع العالم، وما يعانيه من مشكلات، وإلمامه الكامل بأوجه علاجها،
الثمرة الثانية: أنه كان على علم كامل بأصول المنهج الذي سار عليه، وقواعده وتفصيلاته، وطرق تطبيقه من قبل توليه الحكم؛ لأن ملامح هذا المنهج ظهرت مضيئة نيرة في أولى مراحل حكمه المبارك تنظيراً علمياً، وتطبيقاً عملياً، ومع تركيزه البالغ على توطيد هذا المنهج، وذكره في مناسبات مختلفة، وأماكن متعددة، وأزمنة متباينة، فإن القارئ لكلماته بفهم ووعي، يجد أن كلامه ـ حفظه الله - ينبني بعضه على بعض، أو يكمل بعضه بعضاً، أو يشرحه، أو يفسره،
الثمرة الثالثة: قوة إيمانه، ورسوخ عقيدته، وبيان ذلك: أنه تولى الحكم في فترة تاريخية رسخ في ذهن كثير من المسلمين ناهيك عن غيرهم، أن سبب تقدم الغرب هو فصل الدين عن السياسة والدولة، وأن سبب تخلف المسلمين هو إسلامهم، وأنهم إن أرادوا التقدم فعليهم أن يقتدوا بالغرب، فأراد - حفظه الله - أن يبرهن للعالم كله أن فصل الدين عن الدنيا إنما أدى إلى التقدم المادي الغربي؛ لأن كنائسهم كانت تضاد العلم، وتجاربه، وأن هذا التقدم إنما هو تقدم ظاهري مادي، يقابله خواء روحي وتخلف إيماني، وذلك لا ينطبق - بحال - على الإسلام؛ لأنه لا يضاد العلم، ولا يحاربه، بل إنه دين العلم والعقل والمعرفة، فهو سبيل التقدم الحقيقي الديني والدنيوي، المادي والروحي،
وأما تخلف المسلمين فليس بسبب إسلامهم، بل العكس هو الصحيح، وأن تخلفهم وتشتتهم وتفرقهم إنما هو بسبب تركهم دينهم،
وهذا الموقف العظيم من خادم الحرمين الشريفين، لا يصدر إلا عن إيمان قوي، وعقيدة راسخة بأن وعد الله حق، ولا يخلف الله وعده،
الثمرة الرابعة: أوضح الملك القائد، وأبدى القول وأعاد، وأكد القول بالفعل والعمل أن منهجه الذي يتمسك، ويستنير بضيائه في قيادة بلد الحرمين ومهد الرسالة المحمدية، هو منهج الإسلام الذي جاء به محمد بن عبدالله، رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسار عليه الخلفاء الراشدون، وأئمة الإسلام، وهو المنهج الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى عندما تعاهد الإمامان الجليلان محمد بن سعود، ومحمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله - وهو المنهج الذي سار عليه الإمام المجاهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في تأسيس المملكة العربية السعودية وتوحيدها،
الثمرة الخامسة: أبان الملك الباني - حفظه الله - أن هذا المنهج يتمثل، ويتلخص في الاعتصام بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والتمسك بالشريعة الإسلامية وفق منهج السلف الصالح، وفتح باب الاجتهاد للوصول إلى مسايرة العصر ومستجدات الحياة، وفق الضوابط العلمية، والقواعد الأصولية المعتبرة التي قررها ويقررها الراسخون في العلم، المعتبرون في فهم الشريعة الإسلامية،
الثمرة السادسة: أقام الملك العامل - بما لا يدع مجالاً للشك - البرهان القاطع، والدليل الساطع - من خلال التطبيق العملي - على أن الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، بل هو الصالح لمعالجة ما تعانيه البشرية من خواء روحي في ظل طغيان الحياة المادية المعاصرة، وأن الشريعة الإسلامية تستوعب التقنيات المعاصرة، والمخترعات الحديثة، وتسخرها في خدمة البشرية والإنسانية جمعاء،
الثمرة السابعة: خدم فهد الأمجاد، المنهج الإسلامي، خدمات جليلة ومآثر عظيمة خلدها التاريخ الإسلامي والعالمي في صفحات المجد بمداد من ذهب، وأحرف من نور، إذ قدم للقرآن الكريم أعظم خدمة شهدها التاريخ الإسلامي ممثلة في إنشاء أعظم صرح علمي لخدمة القرآن الكريم، هو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، وشهد الحرمان الشريفان في عهده أعظم توسعة في التاريخ، وحظيت المشاعر المقدسة أدق تخطيط، وأجمل تنفيذ، كما شهدت الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد والأوقاف، إنشاء وزارة عظيمة مباركة للعناية بذلك، والقيام بتلك المهمات، هي وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد التي وصلت إلى مصاف كبريات الوزارات في المملكة، وفي مقدمة وزارات الشؤون الإسلامية في العالم الإسلامي،
الثمرة الثامنة: أن خادم الحرمين الشريفين لم يبخل على العالم الإسلامي بهذه النعمة العظيمة، والمنة الكبرى التي هي نعمة التمسك بالإسلام، ومنة تحكيم الشريعة، فدعا المسلمين قادة وحكومات، وشعوباً إلى العودة إلى المنهج الإسلامي الصحيح، المستمد من الكتاب والسنة، وسلك في دعوته إلى ذلك كل الأساليب الشرعية المؤثرة في العقول والأفئدة، واستثمر جميع الوسائل النافعة والمثمرة،
فجزاه الله عن الحرمين بخاصة، وعن الإسلام والمسلمين بعامة خير الجزاء، وأعظم له بكل ما قدم ويقدم أجراً، ورفع له به في الدارين ذكراً، وأطال عمره، ومتع المسلمين بصحته وعافيته، وأقر عينه بولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وأدام على هذه البلاد المباركة نعمة تحكيم المنهج الإسلامي، والتمسك بالعقيدة الصحيحة، ونعمة الأمن والأمان، ووفق المسلمين إلى العودة إلى الدين الإسلامي الذي هو مصدر عزهم وتمكينهم،
وصلى الله وسلم على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين،